في عمق البلاد التونسية، حيث تمتزج رائحة التراب بوهج الشمس وتروى الحقول لا بالمطر وحده إنما بالحكايات المتوارثة عبر الأجيال تنتصب القيروان كمدينة لا تسكنها الذكريات فحسب بل تصنع الذاكرة باستمرار، فهنا لا يختزل الزمن في مئذنة أو نقشٍ على جدار لكنه يزهر على شكل وردة، وردة لا تنبت اعتبارا لكنه تولد من رحم الأرض حين تحتضنها أنامل النساء، وترويها بعين المحبة وكفّ الصبر، القيروان إذن لا تحيا في نيسان كما في سائر شهور السنة بل تصير مع بداية الربيع كائنة أخرى تسترد وهجها وتكتب نفسها بعطر.