اختر لغتك

مرسوم رئاسي جديد يعيد هيكلة الشركات الأهلية ويمنحها امتيازات واسعة في إطار دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني

مرسوم رئاسي جديد يعيد هيكلة الشركات الأهلية ويمنحها امتيازات واسعة في إطار دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني

مرسوم رئاسي جديد يعيد هيكلة الشركات الأهلية ويمنحها امتيازات واسعة في إطار دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني

صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 121 بتاريخ 3 أكتوبر 2025 المرسوم عدد 3 لسنة 2025 المؤرخ في 2 أكتوبر 2025 والمتعلق بتنقيح المرسوم عدد 15 لسنة 2022 الخاص بالشركات الأهلية، هذا المرسوم الجديد لم يقتصر على مجرد تعديلات شكلية بل جاء محملا بإصلاحات جوهرية تمس مختلف الجوانب القانونية والتنظيمية والمالية المرتبطة بالشركات الأهلية في محاولة واضحة من الدولة لإعادة الاعتبار لهذا الصنف من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز دورها كأداة حقيقية لتحقيق التنمية المحلية والجهوية وتكريس الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كخيار استراتيجي.

إذ أنه أعاد تصنيف الشركات الأهلية بطريقة أوضح وأدق حيث ميز بين الشركات الأهلية المحلية التي تضم مشاركين مقيمين بمعتمدية واحدة والشركات الأهلية الجهوية التي تضم مشاركين من أكثر من معتمدية داخل نفس الولاية، وكل هذا التمييز لم يأت من فراغ بل يهدف إلى تمكين هذه الشركات من التكيف مع محيطها الترابي ومنحها المرونة اللازمة للاستفادة من الموارد المحلية والجهوية على حد السواء، وحدد المرسوم أيضا الحد الأدنى من المشاركين بعشرة أشخاص للشركات المحلية وخمسة عشر للشركات الجهوية مع اشتراط أن تتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات المحلية وهو شرط يعكس رغبة المشرع في ربط المشاركة الاقتصادية بالمشاركة المواطنة والسياسية، كما أجاز النص الجمع بين صفة المشارك وصفة الأجير وذلك في خطوة عملية تستجيب لواقع السوق التونسية وتسمح للأفراد بالاستثمار والمساهمة دون حرمانهم من فرص الشغل المأجور.

أما على مستوى رأس المال، فقد ضبط المرسوم الحد الأدنى بخمسة آلاف دينار بالنسبة للشركات المحلية وعشرة آلاف دينار بالنسبة للجهوية وهي مبالغ معقولة تهدف إلى تحقيق توازن بين سهولة التأسيس وضمان جدية المشاريع ولتسيير هذه الشركات نص المرسوم على أن يكون لها مجلس إدارة منتخب من قبل الجلسة العامة، يضم من ثلاثة إلى خمسة أعضاء بالنسبة للمحلية ومن خمسة إلى عشرة بالنسبة للجهوية مع تحديد مدة الانتداب بثلاث سنوات قابلة للتجديد مرتين، كما منع النص الجمع بين عضوية مجالس الإدارة وأجهزة تسيير الشركات التجارية أو التعاونيات أو تولي عضوية أكثر من شركة أهلية واحدة وذلك في إطار تجنب تضارب المصالح وضمان الشفافية.

ولعل أحد أبرز عناصر التحديث التي جاء بها المرسوم يتمثل في إحداث منصة إلكترونية وطنية مخصصة للشركات الأهلية تحتوي على سجل خاص يسمى "السجل الوطني للشركات الأهلية" تشرف عليه الوزارة المكلفة، حيث سيكون هذا السجل المرجع الأساسي والوحيد لعمليات الإحداث والتحيين والمتابعة ويمنح الشركات الأهلية الشخصية المعنوية بمجرد تسجيلها فيه باعتماد معرف جبائي مسند من وزارة المالية كمعرف وحيد، وبهذا التمشي الرقمي يتم تجاوز التعقيدات الإدارية التقليدية ويفتح المجال أمام آلية شفافة وعصرية للتعامل مع هذه الهياكل.

ولم يكتف المرسوم بتبسيط إجراءات التأسيس والتسيير لكنه أقر كذلك آليات صارمة للرقابة والمرافقة، فقد ألزم الشركات الأهلية بتقديم محاضر جلساتها العامة ومحاضر اجتماعات مجالس إدارتها وتقارير مراقبي الحسابات إلى الوزير المكلف الذي يوجه ملاحظاته في أجل شهر مع إمكانية طلب عقد جلسة عامة خارقة للعادة للنظر في الإخلالات أو حتى توقيف تنفيذ القرارات التي قد تضر بمصالح الشركة، وإذا تبين أن القرارات المتخذة غير كافية يحق للوزير حل مجلس الإدارة وتعيين لجنة وقتية لتسيير الشركة في انتظار انتخاب مجلس جديد، لتمنح بذلك كل هذه الصلاحيات للوزارة دورا محوريا في ضمان حسن سير الشركات الأهلية ومنع انحرافها عن أهدافها التنموية.

وفي ما يتعلق بالجانب المالي والجبائي، فقد جاء المرسوم بمجموعة من الامتيازات التي تعد غير مسبوقة فقد نص على إعفاء الشركات الأهلية والمشاركين فيها من جميع الضرائب والمعاليم المستوجبة لمدة عشر سنوات كاملة ابتداء من تاريخ الإحداث وهو ما يمثل دعما كبيرا لهذه الهياكل في سنواتها الأولى التي عادة ما تكون الأصعب، كما نص على توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة لفائدتها وإمكانية حصولها على قروض مصرفية بفائدة تفاضلية بضمان من الصندوق الوطني للضمان مع تكليف البنك المركزي بتحديد شروط هذه الامتيازات في أجل شهر من دخول المرسوم حيز النفاذ.

إضافة إلى ذلك، منح المرسوم الشركات الأهلية أولوية مطلقة في كراء العقارات الدولية الفلاحية والعقارات التابعة لملك الدولة الخاص أو الملك البلدي الخاص داخل حدود المعتمدية أو الولاية لمدة تصل إلى خمس وعشرين سنة قابلة للتمديد إلى أربعين سنة مع إعفائها من معلوم الكراء خلال الخمس سنوات الأولى، كما سمح لها بإحداث شركات فرعية لنقل منتوجاتها الفلاحية واستغلال المنتوجات الغابية غير الخشبية وممارسة النقل البري الجماعي للأشخاص وفق شروط تضبط بقرارات مشتركة وكل هذه الإجراءات الهامة من شأنها أن تمنح الشركات الأهلية مجالا واسعا للنشاط وتفتح أمامها فرصا اقتصادية مهمة.

ولأن هذا المرسوم يمثل انتقالا تنظيميا، فقد نص على أحكام انتقالية تبقي الشركات الأهلية خاضعة لإجراءات التسجيل لدى السجل الوطني للمؤسسات إلى حين دخول المنصة الإلكترونية الجديدة طور الاستغلال الفعلي في أجل لا يتجاوز شهرا واحدا من تاريخ صدوره على أن تتم إحالة جميع الملفات والسجلات والمنظومات المعلوماتية إلى الوزارة المكلفة بالشركات الأهلية.

هذا وتأتي هذه الإصلاحات في سياق اقتصادي واجتماعي خاص تعيشه تونس حيث تشير الأرقام إلى أن البطالة بلغت نسبا تتجاوز 15% على المستوى الوطني مع معدلات أعلى في الجهات الداخلية التي تفتقر إلى الاستثمارات الكبرى ويعول على الشركات الأهلية لتكون رافعة حقيقية للتشغيل وخلق الثروة المحلية، وحسب بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية تم بعث مئات الشركات الأهلية منذ 2022 لكن عددا كبيرا منها اصطدم بصعوبات هيكلية ومالية وإدارية حالت دون تحقيق أهدافها ومن هنا جاء هذا المرسوم ليعالج نقائص النص السابق ويوفر أرضية قانونية ومالية أكثر ملاءمة.

ويرى خبراء في الاقتصاد الاجتماعي أن الامتيازات الجبائية والمالية التي تم إقرارها ستجعل الشركات الأهلية أكثر جاذبية خاصة للشباب العاطل عن العمل حيث تمكنهم من تجميع مواردهم والاستفادة من دعم الدولة لإطلاق مشاريع جماعية في مجالات الفلاحة والصناعات الغذائية والخدمات والنقل، كما أن منحها أولوية في استغلال العقارات الدولية والبلدية يمثل خطوة كبيرة في اتجاه تمكينها من موارد إنتاجية ثابتة ومضمونة.

في المقابل، يحذر بعض المختصين من مخاطر سوء التصرف أو غياب الكفاءات الإدارية داخل هذه الشركات معتبرين أن نجاحها سيظل رهينا بمدى توفر الإحاطة الفعلية من الدولة عبر التكوين والمرافقة المستمرة فضلا عن ضرورة تفعيل الرقابة المالية بشكل صارم لضمان الشفافية.

في النهاية، يمكن القول إن المرسوم عدد 3 لسنة 2025 يمثل نقلة نوعية في مسار تنظيم الشركات الأهلية في تونس، حيث جمع بين التبسيط الإجرائي والرقمنة والرقابة الصارمة والدعم المالي والجبائي السخي في محاولة لإعادة الاعتبار لهذا النموذج الاقتصادي الذي يعكس قيم التضامن والمشاركة، ويبقى الرهان الأكبر اليوم هو ترجمة هذه النصوص القانونية إلى واقع ملموس يسهم في خلق فرص عمل جديدة وتنمية المناطق المهمشة حسب خصوصياتها وموقعها الجغرافي وإعادة الثقة للمواطن في جدوى الانخراط في مشاريع جماعية تخدم مصلحته ومصلحة مجتمعه.

آخر الأخبار

النادي الإفريقي يستعيد الصدارة بفوز مثير على مستقبل قابس في افتتاح الجولة التاسعة

النادي الإفريقي يستعيد الصدارة بفوز مثير على مستقبل قابس في افتتاح الجولة التاسعة

ترامب وحماس يفتحان باب السلام: الإفراج عن الرهائن في غزة وخطة إنهاء الحرب

ترامب وحماس يفتحان باب السلام: الإفراج عن الرهائن في غزة وخطة إنهاء الحرب

الكاف: الاحتفاظ بسائق سيارة إسعاف وناظر المستشفى الجهوي بتهمة ترويج المخدرات والتلاعب بأذون التنقل

الكاف: الاحتفاظ بسائق سيارة إسعاف وناظر المستشفى الجهوي بتهمة ترويج المخدرات والتلاعب بأذون التنقل

النادي الإفريقي يحتفل بعيد ميلاده الـ105… قرن من البطولات، الإثارة، والشغف الجماهيري

الإفريقي 105… قرن ونيف من المجد، قصة عشق لا تنطفئ

مرسوم رئاسي جديد يعيد هيكلة الشركات الأهلية ويمنحها امتيازات واسعة في إطار دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني

مرسوم رئاسي جديد يعيد هيكلة الشركات الأهلية ويمنحها امتيازات واسعة في إطار دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني

Please publish modules in offcanvas position.