اختر لغتك

25 جويلية تأسيس يتحول وتحول يعيد طرح سؤال الجمهورية

25 جويلية تأسيس يتحول وتحول يعيد طرح سؤال الجمهورية

25 جويلية تأسيس يتحول وتحول يعيد طرح سؤال الجمهورية

في الذكرى الثامنة والستين لإعلان الجمهورية التونسية وتحديدا بتاريخ 25 جويلية 2025 لا تقف البلاد عند حدود التذكير بلحظة رمزية من تاريخها فحسب لكنها تجد نفسها وجها لوجه أمام مرآة مكاشفة كبرى تعكس مسارا متقلبا من بناء الدولة منذ القطيعة مع النظام الملكي الحسيني سنة 1957، حين توج الزعيم الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية في لحظة بدت حينها تأسيسية بامتياز جمعت بين طموح التحديث وبناء الدولة الوطنية الحديثة، فقد أرست تلك المرحلة بداية نظام مركزي قوي عول عليه لقيادة مشروع تنموي صاعد، غير أن ذلك التأسيس حمل منذ بداياته بذور الاختزال السياسي إذ ما لبث أن تحول إلى حكم الفرد الواحد والحزب الواحد مع إقرار بورقيبة رئيسا مدى الحياة سنة 1975 ما عمق من أزمة الشرعية وكرس اختلالا طويل الأمد بين السلطة والمجتمع.

ثم جاءت الثورة التونسية، اندلعت شرارتها في 17 ديسمبر 2010 وتوجت في 14 جانفي 2011 بإسقاط نظام بن علي لتدخل البلاد طور ما سمي بالجمهورية الثانية المؤسسة على دستور 27 جانفي 2014 الذي أطلق عليه حينها صفة "الدستور التوافقي" إذ جسد رغبة وطنية في القطع مع الاستبداد وبناء نظام ديمقراطي يرتكز على الفصل بين السلطات والحقوق والحريات، غير أن ما بدا على مستوى النصوص واعدا اصطدم خلال سنوات التطبيق بتعطيلات هيكلية عمقت هشاشة الدولة بين حكومات متعاقبة بلا أفق ومؤسسات لم تستطع أداء دورها وانتكاسات اقتصادية فجرت أزمة ثقة بين المواطن ومنظومة الحكم.

ولم يكن من العبث أن تعود البلاد مرة أخرى إلى لحظة 25 جويلية ولكن هذه المرة سنة 2021 حين قام رئيس الجمهورية  الاستاذ قيس سعيد بتفعيل الفصل 80 من دستور 2014 ليعلن عن تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة في خطوة وصفت بالاستثنائية واعتبرت لدى البعض تصحيحا لمسار مأزوم فيما رأى فيها آخرون تهديدا للمكتسبات الديمقراطية، هذا التدخل لم يكن معزولا لكنه جاء تتويجا لمخاض طويل من الانسداد السياسي والعجز الإداري وتحول بعد عام إلى مشروع دستوري جديد تم عرضه على الاستفتاء الشعبي يوم 25 جويلية 2022 بنسبة مشاركة لم تتجاوز 30% مما أثار جدلا من قبل البعض حول مدى مشروعيته خاصة وأنه أرسى نظاما رئاسويا موسعا قلص من صلاحيات البرلمان وألغى عددا من الهيئات المستقلة وذلك في ظل غياب التشاركية الواسعة.

هذا التحول لم يأت فقط عبر تعديل دستوري بل تكرس أكثر بالمراسيم الرئاسية وعلى رأسها المرسوم عدد 117 لسنة 2021 الذي ألغى العمل بدستور 2014 وأعاد صياغة الحياة السياسية في اتجاه مركزة القرار بيد السلطة التنفيذية ما فتح الباب واسعا أمام تساؤلات عميقة حول مآلات التوازن المؤسسي ومصير التعددية وفعالية المعارضة وبينما كان الخطاب الرسمي يروج لفكرة "إنقاذ الدولة" كانت المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تشير إلى تفاقم الأزمة من إرتفاع في نسب البطالة، تدهور قيمة الدينار، تصاعد المديونية، انكماش الاستثمار وتدهور المقدرة الشرائية، فضلا عن تصاعد احتجاجات الجهات الداخلية التي لم تجد في "التمييز الإيجابي" سوى وعد مؤجل لا يتحقق.

في خضم هذا المشهد المعقد، تظل ذكرى 25 جويلية محطة لا تحتمل القراءة السطحية أو الاحتفاء الشكلي ولكنها تستدعي وقفة تقييم شاملة تتجاوز التموقعات السياسية الظرفية نحو طرح جاد لسؤال الجمهورية أي جمهورية نريد؟ وهل يكفي تغيير النصوص لتحقيق التغيير المنشود أم أن المشكل أعمق من الشكل يتعلق ببنية السلطة ذاتها وثقافة الحكم والعلاقة بين الدولة ومواطنيها؟ إذ أن المسألة لم تعد تتعلق فقط بمشروعية النظام القائم لكن بفعاليته وقدرته على تلبية طموحات التونسيين الذين انتظروا طويلا دولة عادلة، شفافة، ومشاركة.

ولأن بناء الجمهورية لا يكون بترديد الشعارات ولا بمجرد رفع الأعلام، فإن إرساء دولة القانون لا يستقيم إلا بتفعيل ما نصت عليه التشريعات من مبادئ ضامنة للعدالة والمساءلة بدءا من مجلة الجماعات المحلية الصادرة بتاريخ 29 أفريل 2018، إلى قانون النفاذ إلى المعلومة عدد 22 لسنة 2016، وصولا إلى التفعيل الجدي للفصل 12 من الدستور المتعلق بالتمييز الإيجابي وغيره، فجميع هذه النصوص إن لم تترجم إلى سياسات عمومية فعالة تبقى حبرا على ورق وتحول الدولة إلى هيكل فارغ بلا عمق اجتماعي ولا مشروع وطني جامع.

في النهاية، وبعد مرور ثلاثة أعوام على لحظة 25 جويلية 2021 ومرور 68 سنة على إعلان الجمهورية الأولى يتبين أن التحدي الحقيقي لم يعد في استعادة الماضي ولكن في تفادي تكراره وبناء مستقبل تصان فيه الحقوق وتحترم فيه المؤسسات وتفعل فيه القوانين لا لتكريس الطاعة بل لضمان الكرامة والحرية والعدالة، فالجمهورية ليست لحظة تأسيس فقط لكنها فعل مستمر يحتاج إلى وعي جماعي وتعاقد وطني حقيقي وإرادة سياسية لا ترى في السلطة غاية بل وسيلة لبناء وطن لا يختزل في شخص ولا يحكم بالشعارات إنما يدار بالعقل والضمير والدستور.

آخر الأخبار

شعب يُذبح والعرب صامتون... غزة تنزف وجياعها محاصرون على بوابة رفح

شعب يُذبح والعرب صامتون... غزة تنزف وجياعها محاصرون على بوابة رفح

🔥 الإفريقي يُغازل الكبار: بن شيخة والبنزرتي على طاولة المفاوضات!

🔥 الإفريقي يُغازل الكبار: بن شيخة والبنزرتي على طاولة المفاوضات!

🔥 من الإفريقي إلى المغرب... مدرب يُخطط في الظل والإدارة ترد بالإقالة!

🔥 من الإفريقي إلى المغرب... مدرب يُخطط في الظل والإدارة ترد بالإقالة!

🔍 ما بعد إقالة الساحلي... من يقود الإفريقي في المرحلة القادمة؟ وهل فقد اللاعبون الثقة في الإدارة؟

🔍 ما بعد إقالة الساحلي... من يقود الإفريقي في المرحلة القادمة؟ وهل فقد اللاعبون الثقة في الإدارة؟

25 جويلية تأسيس يتحول وتحول يعيد طرح سؤال الجمهورية

25 جويلية تأسيس يتحول وتحول يعيد طرح سؤال الجمهورية

Please publish modules in offcanvas position.