حين تشتد الأزمات، يُختبر معدن الرجال. وفي كرة القدم، لا تُقاس القيمة دائمًا بما يقال في الصحف أو يُتداول في المدرجات، بل بما يُنجز في الكواليس، في صمت العقول التي لا تبحث عن التصفيق... وهذا تمامًا ما يُجسّده المدرب فيصل العروسي.
من التكوين إلى الميدان... مسيرة بنَت ما لا يُرى
اختار العروسي أن يزرع حيث لا يراه أحد، في مدارس الشبان، وفي حصص التمارين البعيدة عن الكاميرات. اشتغل بصبر في أكاديمية باردو سبور إلى جانب ثلّة من الكفاءات التونسية، وبنى بصمته الخاصة في مقاربة التكوين: مزجٌ بين الصرامة الهادئة والفهم العميق لنفسيات اللاعبين في عمر التأسيس.
كان يؤمن أن اللاعب لا يُصنع بالمهارة فقط، بل بالاستقرار الذهني والانضباط. لا يرفع صوته، لكنه يفرض حضوره بأفكاره الهادئة وملاحظاته الدقيقة.
شريك في ملحمة العمران... حين يصبح الصمت إنقاذًا
في آخر محطاته، تولّى فيصل العروسي تدريب الفريق الرديف للشبيبة الرياضية بالعمران، وهناك، واصل عمله بنفس الروح، مطوّرًا لمواهب جديدة وأداءات مستقبلية.
لكن المحطة الأبرز كانت خلال ملحمة إنقاذ الفريق الأول من النزول، حيث عمل مدربًا مساعدًا ضمن الطاقم الفني الذي واجه أصعب فصول الموسم، وكان جزءًا من المعركة التكتيكية والنفسية التي انتهت بحفاظ الشبيبة على مكانها في الرابطة المحترفة الأولى.
ليس من يبحث عن الأضواء، بل من يصنعها للآخرين
فيصل العروسي لا يلهث خلف الألقاب، بل يسعى لصنع اللاعبين الذين يرفعون الألقاب. لا ينتظر الشكر، بل يكتفي برؤية لاعب يتطور أو فريق يُنقذ. مدرب لا يقيس النجاح بعدد العناوين الصحفية، بل بعدد القلوب التي لمسها في طريقه.
فيصل العروسي هو ذلك العقل الهادئ الذي يصنع الفارق في صمت. هو أحد مهندسي البناء الخفي لكرة القدم التونسية، رجل يعرف أن الإنقاذ لا يأتي دائمًا من الصف الأول... بل من أولئك الذين يقفون خلفه بثقة وثبات.