اختر لغتك

17 ديسمبر تجديد العقد الاجتماعي

17 ديسمبر تجديد العقد الاجتماعي

17 ديسمبر تجديد العقد الاجتماعي

تتجه تونس وهي تستعد لإحياء ذكرى 17 ديسمبر 2025 نحو تكريس مقاربة سياسية ومجتمعية ناضجة تتجاوز الطقوس الاحتفالية التقليدية لتغوص في جوهر الاستحقاق الوطني، فلم يعد هذا التاريخ مجرد سردية للماضي أو استعادة نوستالجية للحظات الثورة الأولى بل تحول بحكم التراكم التاريخي والنضج السياسي إلى مرجعية معيارية تقاس عليها درجة تحول إرادة الشعب من مجرد شعار مرفوع إلى ممارسة مؤسساتية راسخة، هي اللحظة التي يختبر فيها الوعي الجمعي قدرته على الانتقال من شرعية الشارع إلى شرعية الإنجاز مؤكدا أن المواطنة ليست وثيقة هوية فقط لكنها اشتباك يومي بناء مع قضايا الشأن العام قوامه الالتزام والمسؤولية.

وفي عمق هذا المشهد يبرز المسرح البلدي بالعاصمة لا كمعلم عمراني فحسب بل كـأغورا حديثة تجسد فيزيائيا ومعنويا مفهوم الفضاء العام الديمقراطي، فاختيار هذا المكان لاحتضان نبض الشارع ليس وليد الصدفة بل هو تعبير رمزي عن رغبة التونسيين في مأسسة حراكهم حيث يتحول الصوت العالي إلى موقف سياسي وتتخذ المطالب شكل رؤية إصلاحية، فيه تتقاطع ذاكرة الحجارة مع حيوية البشر لتنتج مشهدا حضاريا يثبت أن الديمقراطية ليست فوضى بل هي أرقى درجات النظام النابع من الإرادة الحرة وأن التظاهر السلمي هو أحد أشكال المناعة الوطنية ضد الجمود أو الانحراف.

وتأسيسا على هذه الأرضية تكتسب الدعوات لسيادة القانون واستقلال المؤسسات بعدا استراتيجيا يتجاوز الجدل السياسي اليومي؛ إذ يصبح احترام هيبة الدولة بمفهومها العادل لا القمعي هو الضمانة الوجودية لاستقرار الوطن، فالمشاركة الواعية في 17 ديسمبر تغدو بمثابة تجديد للعقد الاجتماعي بين المواطن والدولة، عقد يقوم على معادلة دقيقة ألا وهي حقوق مصانة مقابل واجبات مؤداة وحريات فردية مكفولة ضمن إطار المصلحة الجماعية العليا، وبهذا تسقط السرديات التي تحاول الفصل بين الحرية والنظام ليحل محلها يقين بأن الدولة القوية هي تلك التي تستمد قوتها من مؤسسات قادرة وشعب يقظ يمارس حقه في الرقابة والمساءلة عبر الآليات المدنية.

بيد أن الوصول إلى هذه المعادلة يتطلب إدراكا عميقا لمفهوم  الزمن السياسي فالتغيير الجذري ليس حدثا فوريا بل صيرورة تراكمية معقدة، ومن هنا تأتي أهمية الالتزام بالمسارات السلمية ونبذ العنف كخيار وجودي لا تكتيكي لأن بناء الأوطان لا يتم عبر الهدم بل عبر ترميم الثغرات وتعزيز المكتسبات، إذ أن كل خطوة يخطوها المواطن نحو التعبير السلمي المسؤول هي لبنة إضافية في جدار الصد ضد الفوضى ورسالة طمأنة للداخل والخارج بأن تونس قد تجاوزت مرحلة الهشاشة الانتقالية نحو مرحلة الرسوخ الديمقراطي.

ختاما، فإن 17 ديسمبر 2025 ليس مجرد محطة في رزنامة الزمن لكنه بوصلة أخلاقية وسياسية تعيد ضبط الاتجاه نحو المستقبل، وهو الموعد الذي تذوب فيه الانتماءات الضيقة لتنصهر في بوتقة الهوية الوطنية الجامعة وحيث يدرك الجميع أن الحفاظ على الدولة ومؤسساتها ليس خيارا بل هو واجب مقدس يحمي الحاضر ويؤمن المستقبل للأجيال القادمة، وهكذا يتحول التاريخ من عبء في الذاكرة إلى قوة دافعة للفعل وتصبح تونس برمزية مكانها وزمانها نموذجا حيا لقدرة الشعوب على صياغة أقدارها بوعي وثبات.

آخر الأخبار

17 ديسمبر تجديد العقد الاجتماعي

17 ديسمبر تجديد العقد الاجتماعي

رحيل نور الدين بن عيّاد… خسارة موجعة لركن من أركان الكوميديا والدراما التونسية

رحيل نور الدين بن عيّاد… خسارة موجعة لركن من أركان الكوميديا والدراما التونسية

ساركوزي يعود إلى الواجهة من “بوابة السجن”: كتاب جديد يشعل الجدل قبل صدوره

ساركوزي يعود إلى الواجهة من “بوابة السجن”: كتاب جديد يشعل الجدل قبل صدوره

اتصال عاجل من قصر قرطاج يربك الجلسة العامة… ووزير الشؤون الاجتماعية يوضّح خلفيات المكالمة

اتصال عاجل من قصر قرطاج يربك الجلسة العامة… ووزير الشؤون الاجتماعية يوضّح خلفيات المكالمة

غارة تهزّ قلب الضاحية: إسرائيل تضرب حارة حريك… ولبنان يستغيث قبل الانفجار الكبير

غارة تهزّ قلب الضاحية: إسرائيل تضرب حارة حريك… ولبنان يستغيث قبل الانفجار الكبير

Please publish modules in offcanvas position.