في زمن طغت فيه العروض الفرجوية التجارية على المشهد الثقافي الصيفي، اختارت القلعة الخصبة أن تعود إلى الجذور وتستحضر ذاكرة الأجداد عبر مهرجان الألعاب وفنون الفرجة التقليدية، في دورة استثنائية تحتفي بالتراث المادي واللامادي، وتستعيد القيم الثقافية والرموز الفلكلورية في أبهى تجلياتها.
نُظّم المهرجان من 8 إلى 10 أوت الجاري بمبادرة من جمعية الثقافة والفكر والفنون برئاسة الأستاذة عفاف الشقراني، وبدعم من المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالكاف وعدد من الهياكل العمومية بالجهة. وقدّم تجربة ثقافية متكاملة جمعت بين المعرفة والفرجة، وبين التوثيق والتفاعل.
🔸 اليوم الأول (8 أوت): افتتاح حافل بالتراث والحركة
انطلقت فعاليات المهرجان بتنشيط المدينة عبر عروض الفرق الشعبية والماجورات، لتتواصل التظاهرات في الملعب البلدي باحتضان الألعاب الشعبية والرياضية التقليدية، بمشاركة وإشراف من الجمعية التونسية للمحافظة على الألعاب الرياضية التراثية وعدد من المختصين، وهم: الدكتور عزالدين بوزيد، الأساتذة العبيدي الخلفاوي، حسنة محمدي وأكرم خبوشي.
الشق الفكري لم يغِب عن اليوم الأول، حيث تم تنظيم ندوة تضمنت مداخلتين علميتين:
- "الألعاب الشعبية التراثية كموروث ثقافي ومهارات حياتية" للدكتور محمد ثليجان
- "التراث المادي واللامادي" للدكتور عبد الكريم الابيري
وفي المساء، توجّه المشاركون إلى ورشة صناعة السرج بإشراف الثنائي فاروق العبيدي وفارس وحرفي، وورشة الفسيفساء التي أطرها الفنان التشكيلي كمال الشيخاوي.
🔸 اليوم الثاني (9 أوت): أسواق الفن والصنعة والهوية
تواصلت الأجواء الاحتفالية بتنشيط الشوارع مجددًا مع ماجورات قصر هلال، ثم انطلقت سلسلة من المعارض المتنوعة التي قدّمت بانوراما واسعة من الصناعات التقليدية التونسية: أكلة شعبية، حلفاء، صوف، فسيفساء، أجبان، سروج، وتحف خشبية، إضافة إلى معرض وثائقي حول الزي التقليدي والألعاب الشعبية، ومعرض صور يوثّق أهم المواقع الأثرية في تونس.
في المحور الأكاديمي، احتضن المهرجان مداخلتين جديدتين:
- "أنماط فرجوية متنوعة حسب خصوصية كل جهة" للدكتور محمد التليلي
- "الأشكال التراثية الفرجوية في المسرح التونسي" للأستاذة رنين خلفاوي
أما الورشات، فقد أبدعت نساء القلعة الخصبة في تقديم خبراتهن التقليدية في:
- صناعة الحلي والحلفاء (سعيدة الشارني)
- صناعة الصوف (عفاف الشقراني)
- صناعة الأجبان (إشراق قاسمي)
وكان الختام بعرض غنائي تراثي أعاد للذاكرة أنماطًا فنية مغروسة في وجدان الشعب.
🔸 اليوم الثالث (10 أوت): الذاكرة في شكل فرجة
اختُتم المهرجان يوم 10 أوت بمسابقة في الألعاب الشعبية الفكرية، من تأطير الأساتذة سهام مروشي، العبيدي خلفاوي، أكرم خبوشي وحسنة محمدي، أعقبتها عروض فرجوية شعبية مثلت مختلف جهات البلاد:
- (التيجانية (الكاف)
- الاسطنبالي (الجنوب التونسي)
- فرق من القصرين، قلعة سنان، الجنوب، القلعة الخصبة
- عرض للفروسية بمشاركة فرسان الكاف والقصرين
- أمسية شعرية شعبية بمشاركة شعراء من الكاف، القصرين، وقبلي
- عرض الختام: المداوري من مكثر والقصرين
وقد تم في النهاية توزيع الجوائز على الفائزين وتكريم المساهمين في إنجاح هذه التظاهرة.
🎤 شهادات تعزّز المعنى...
في لقاء خاص، أكد الأستاذ جمال الدين الخلفاوي، مدير المهرجان، أن "الألعاب الشعبية تمثّل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي اللامادي، وهي مرتبطة بهوية الجماعات والمجتمعات، لأنها تعكس القيم والتقاليد وتنقلها عبر الأجيال."
وأضاف أن هذه التظاهرة تهدف إلى "حماية الذاكرة المجتمعية من النسيان، والتأكيد على أن الفرجة التقليدية والألعاب الشعبية ليست ترفًا، بل وسيلة لصقل الهوية وبناء جسور متينة بين الماضي والحاضر".
🟥 القلعة الخصبة لم تختَر الصخب ولا الجماهيرية الزائفة... بل احتفت بتراثها ورفعت لواء الثقافة والتاريخ عالياً.
✍️ منصف كريمي