ليس من السهل أن يغامر المسرح التونسي اليوم بالعودة إلى نصوص مسرح العبث، في زمن بات فيه الجمهور يبحث عن المباشر والآني. لكن "هذيان"، باقتباسه من "الخرتيت" ليوجين يونسكو، نجح في كسر هذا التوجّه، وذكّرنا بأن المسرح لا يكتفي بالتسلية، بل هو أيضًا مساحة للتفكير والارتباك وطرح الأسئلة المؤلمة.
المثير في "هذيان" أنه لم يسقط في فخ النقل الحرفي، بل جعل من نص يونسكو مادة خام، صهرها في قوالب تونسية، ليعيد صياغة سؤال وجودي: هل ما نعيشه اليوم سوى نسخة جديدة من العبث القديم؟
ما بين دخان الركح وتيه الشخصيات، بدا العرض وكأنه يضع المتفرج أمام نفسه: ضائع، مرتبك، محاصر بخيارات لا تقوده إلا إلى القلق. وفي ذلك قوّة العمل، لأنه لم يمنحنا أجوبة جاهزة، بل دفعنا إلى مواجهة أسئلتنا الخاصة.
في النهاية، قد لا يخرج المتفرج من "هذيان" وهو يضحك أو يصفّق بحرارة، لكنه يغادر القاعة وفي ذهنه جملة أسئلة:
- من هو "الخرتيت" في واقعنا التونسي؟
- أين يتوقف الفرد، وأين يبدأ القطيع؟
- وهل يمكن للإنسان أن يحتفظ بذاته وسط هذا الهذيان الجماعي؟
"هذيان" بهذا المعنى ليس مجرّد عرض مسرحي، بل تمرين جماعي على التفكير، يذكّرنا بأن المسرح يظل، حتى في أقصى درجات عبثيته، فنًّا شديد الجدية.
🎭 فريق العمل
- اقتباس: دنيا مناصرية (عن نص "الخرتيت" ليوجين يونسكو)
- سينوغرافيا وإخراج: مروان خزري بوزيدي & ثريا الرحالي
- تمثيل: إيمان قلمامي، عزالدين بوعافية، ثريا الرحالي
- إضاءة: سامي الشارني
- ملابس وماكياج: رانيا الشارني
- توضيب عام: سامي الرحالي
- إنتاج: شركة بصمة، 2025