اختر لغتك

طبرقة عطشى… المدينة السياحية تنهار والمصطافون يغادرون

طبرقة عطشى… المدينة السياحية تنهار والمصطافون يغادرون

مدينة طبرقة الساحلية، الجوهرة الشمالية التي أبدعها الرحمن في خلقها وجمالها، أصبحت اليوم مدينة لا يطيب فيها العيش. أزمة مياه خانقة تحوّلت إلى مأساة حقيقية للسكان والزوار على حد سواء، تاركة آثارًا كارثية على الموسم السياحي والاقتصاد المحلي.

منذ بداية الصيف، عاشت المدينة على وقع انقطاعات متكرّرة في توزيع المياه، الأمر الذي دفع المصطافين إلى مغادرة المدينة، والمحال التجارية إلى التوقف عن العمل، والخسائر الاقتصادية إلى التصاعد بشكل يومي. موسم الاصطياف، الذي كان متنفسًا للسياحة المحلية ومصدر دخل أساسي لأصحاب المحلات، انهار قبل أن يبدأ، تاركًا المدينة في صمت رهيب ومزاج قاتم.

أزمة تتجاوز العطش… أبسط ضروريات الحياة مهددة

لا يتحدث الوضع عن العطش فحسب، فالكل يستهلك المياه المعدنية القسرية، بل عن الحد الأدنى من الحياة اليومية: الاغتسال، تنظيف المنازل والمحلات، تحضير الطعام، كلها أصبحت شبه مستحيلة. القهاوي والمقاهي تُغلق مراحيضها منذ الساعة الرابعة مساءً، الأمر الذي يعكس حجم الأزمة ويزيد الوضع مأساوية. طبرقة، المدينة التي كانت تعج بالحياة والبهجة، تتحول إلى مدينة شبحية، يغلب عليها الصمت والخذلان، حيث يعاني السكان من حرمان غير مسبوق.

الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، التي تصف مياهها بـ"الصالح للشراب"، أصبحت تقدّم للمواطنين ماءً غير صالح حتى للاستخدامات المنزلية الأساسية، ما يفرض على المسؤولين تغيير التسمية على الأقل، لتكون مطابقة للواقع.

غياب المسؤولية الرسمية… والوالي يلاحق الماء يوميًا

كل زيارة يقوم بها والي الجهة إلى طبرقة لا تحل المشكلة، بل يعود الماء ويذهب مرة أخرى. الوالي مضطر للانتقال يوميًا للمدينة لمتابعة الوضع ليعود الماء، ما يبرز حجم الإهمال المؤسسي المستمر. والاشكال ليس في الوالي شخصيًا، بل في جماعة الصوناد التي تتحمل مسؤولية توزيع المياه، والتي فشلت في إيجاد حلول عملية وفعالة.

السؤال المطروح: لماذا يعود الماء للحنفيات عند زيارة الوالي، ويقطع مع مغادرته؟

خسائر اقتصادية فادحة… ومن يعوّض المتضررين؟

أصحاب المحلات والمقاهي والمطاعم، الذين استثمروا آلاف الدنانير استعدادًا للموسم الصيفي، وجدوا أنفسهم أمام مدينة خاوية تقريبًا من السياح، وخسائر مالية فادحة. السؤال الأبرز: من سيعوّض التجار عن أموالهم الضائعة؟ هل ستتحرك وزارة المالية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة أم ستطالب التجار بدفع الضرائب كما لو أن شيئًا لم يكن؟

تقاسم مائي غير عادل… ثروات المدينة تُستنزف

في طبرقة هناك أربعة سدود، بينما تمتلك ولاية جندوبة أكثر من 12 سدًا، بالإضافة إلى العيون المائية التي تُحوّل إلى ولايات أخرى. المطالبة ليست بتحويل كل هذه المياه إلى طبرقة، بل بمبدأ العدالة في تقاسم الثروات الطبيعية، لضمان حق سكان المدينة في مواردهم، التي هي جزء أصيل من ثروتهم، لا للاستغلال على حسابهم.

غياب الحلول… والتحديات تتفاقم

الاشكال الأكبر يكمن في عدم تحرك المندوبية السياحية، بلدية طبرقة، الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، ووزارة الاقتصاد. الحلول المؤقتة، مثل نقل صهاريج المياه، لم تعد تكفي لإنقاذ موسم كامل، ولا تضمن استمرار حقوق السكان في الحياة الكريمة. تصوروا فقط لو وقع حريق أو حالة طارئة في المدينة، كيف سيتم إطفاؤه أو حماية الأرواح والممتلكات؟ الأزمة لم تعد مجرد انقطاع للراحة اليومية، بل تهدد السلامة العامة.

محطة تصفية جديدة… الحل المؤجل

الحل الجذري يكمن في محطة تصفية المياه الجديدة المقرّر تشغيلها السنة المقبلة، لكنها تأتي بعد فوات موسم كامل، تاركة المدينة ضحية الإهمال المؤسسي. الحلول المؤقتة هذا الصيف لم تنجح سوى في تخفيف الضرر قليلاً، لكنها لم تعيد المدينة إلى سابق عهدها.

محاسبة عاجلة… لا بد من حلول فورية

في ظل هذا الواقع الكارثي، لا بد من محاسبة المسؤولين عن هذا الصنيع، وإيجاد حلول سريعة وعاجلة قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر. طبرقة، المدينة التي أبدع الرحمان في خلقها، أفسدها الإنسان وإهمال المسؤولين، وأصبحت مدينة لا يطيب فيها العيش، ولا يُستمتع فيها بالجمال الطبيعي الساحر الذي طالما كان عنوانًا للسياحة والثقافة.

Please publish modules in offcanvas position.