في سياق يتطلب أكثر من أي وقت مضى تعبئة كل الطاقات والخبرات، اختارت تونس أن تفتح نافذة جديدة على كفاءاتها الطبية المهاجرة، من خلال تنظيم يوم وطني مخصص بالكامل للأطباء التونسيين العاملين في الخارج، تحت إشراف وزارة الصحة.
هذا الموعد العلمي والمجتمعي يُترجم إرادة واضحة لإعادة ربط الصلة بين الكفاءات التونسية المنتشرة في العالم ومؤسسات الصحة في الداخل، في خطوة تهدف إلى الانتقال من مجرد الاعتراف الرمزي بهذه الطاقات، إلى إدماج عملي في السياسات والمشاريع الصحية الوطنية.
الرهان كبير، والتحدي مضاعف: كيف تستفيد تونس من أبنائها المهاجرين الذين أثبتوا كفاءتهم في أرقى النظم الصحية العالمية؟ وكيف نحوّل قصص النجاح الفردية إلى قوة جماعية تساهم في بناء منظومة صحية وطنية أكثر توازنًا وجودة؟
من خلال محاضرات، شهادات، ونقاشات مفتوحة، يُسهم المشاركون في تشخيص واقع الصحة في تونس من زوايا مختلفة، واقتراح مسارات واقعية وقابلة للتطبيق في مجالات متعددة: التكوين الطبي، الصحة الرقمية، التوأمة بين المؤسسات، والاستثمار في البحث العلمي.
اللافت في هذا الحدث ليس فقط ما يطرحه من رؤى، بل الرسالة السياسية والمجتمعية التي يحملها: أن الطاقات التونسية في الخارج لم تعد هامشًا، بل هي رافد أساسي لأي إصلاح جذري وحقيقي.
وزارة الصحة، من خلال إشرافها على هذا اليوم، تعكس تحولًا في النظرة الرسمية إلى كفاءات المهجر: من مجرد سفراء للكفاءة في الخارج، إلى شركاء في القرار والتنفيذ في الداخل. وهو توجه يُنتظر أن تتبعه آليات مستدامة، على غرار المنصات المشتركة، والبرامج التشاركية، ومشاريع التكوين والتأطير المشترك.
قد تكون هذه التظاهرة بداية طريق طويل، لكن المؤكد أنها تُشكّل منعرجًا في العلاقة بين تونس وأطبائها في العالم. منعرجًا يتأسس على الاحترام المتبادل، والتخطيط المشترك، والانفتاح على التجارب الناجحة.
في النهاية، عندما تُراهن دولة على كفاءاتها، فهي لا تُراهن فقط على خبرة طبية، بل على إرادة عميقة في التغيير، وعلى ثقة في قدرات أبنائها مهما باعدت المسافات. والرهان على الأطباء التونسيين بالخارج هو بلا شك رهان على الجودة، والالتزام، والمستقبل.