اختر لغتك

الاتحاد العام التونسي للشغل بين الفساد والإصلاح

الاتحاد العام التونسي للشغل بين الفساد والإصلاح

الاتحاد العام التونسي للشغل  المؤسسة التي أسسها فرحات حشاد ليكون الدرع الحامي لحقوق العمال ومرجعية النضال الوطني يواجه اليوم أزمة استثنائية تظهر فشل القيادة الحالية في الالتزام بالمعايير القانونية والإدارية ما أدى إلى تراكم الفساد المالي والإداري على نحو غير مسبوق، الأحداث التي شهدتها العاصمة في 7 اوت 2025 والتي تجلت في احتجاجات أمام مقر الاتحاد لم تكن مجرد احتجاج شعبي عابر لكنها كانت انعكاسا حقيقيا لتراكم تجاوزات القيادة سواء في إدارة الموارد المالية أو حماية التراث النقابي والتاريخي أو تنظيم النشاط النقابي وفق القانون،إذ أن هذا الواقع شكل إخلالا صارخا بالدستور التونسي لسنة 2022 الذي يؤكد سيادة القانون وحق المواطنين في الرقابة على المؤسسات العامة والنقابية ويجعل التدخل القضائي والإداري ضرورة عاجلة لضمان المصلحة العامة.

هذا وتتجلى مظاهر الفساد المالي والإداري بوضوح في الإنفاق المفرط على ترميم المقر التاريخي للاتحاد في ساحة محمد علي حيث تجاوزت التكلفة 29 مليون دينار في حين أن الاحتياجات الفعلية كانت أقل بكثير من ذلك، هذا الإنفاق الضخم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة ويتحمل فاتورتها الرعية يعكس غياب أي رقابة فعالة وفشلا إداريا في تطبيق القوانين الداخلية والخارجية التي تنظم الشفافية المالية، ومن هنا تصبح الخطوة الأولى في الإصلاح إنشاء وحدة رقابية مستقلة مسؤولة عن مراجعة كل النفقات المالية ومطابقتها للقوانينمع نشر تقارير دورية للعموم وإلزام القيادة الحالية بتقديم تبريرات مكتوبة لكل عملية إنفاق بما يعيد الثقة للمؤسسة ويجعلها خاضعة للمحاسبة القانونية.

ويتزامن ذلك مع إهمال التراث الوطني والنضالي حيث يواجه منزل الشهيد فرحات حشاد في صفاقس خطر التدهور بسبب غياب التخطيط والتنظيم وعدم الالتزام بالقانون عدد 83 لسنة 2005 المتعلق بحماية التراث الوطني، هذا الإهمال ليس مجرد تقصير مادي لكنه يمثل تجاهلا لرمزية النقابة التاريخية ودورها الوطني، ومن ثم يصبح وضع خطة قانونية متكاملة لحماية المنزل وتحويله إلى متحف وطني ضرورة ملحة تشمل التعاون المباشر مع وزارة الشؤون الثقافية، إشراك الورثة في عملية الترميم والتأهيل، وضع جدول زمني دقيق ومراقبة تنفيذ الأعمال وفق معايير فنية وقانونية لضمان حفظ الموروث التاريخي وربطه بالرسالة النقابية الوطنية.

وتزداد الأزمات تعقيدا عندما ينظر إلى تجاوزات النقابات الفرعية التي قامت بتنفيذ إضرابات غير قانونية أوقفت الحركة الاقتصادية في العديد من المناسبات وأثرت سلبا على كل مؤسسات الدولة مخالفة نصوص القانون عدد 9 لسنة 1973 المتعلق بالحق في الإضراب الذي يشترط حماية المصلحة العامة وتنظيم الإضرابات ضمن إجراءات قانونية محددة، ومن هذا المنطلق تصبح فرض آليات رقابية صارمة على النقابات الفرعية أمرا لابد منه يتضمن تحديد شروط الإضراب القانونية، مراقبة التنفيذ قبل وأثناء الإضراب، إنشاء لجان تحكيم للنزاعات العمالية، وتفعيل آليات منع التجاوزات لضمان أن يبقى الحق النقابي ممارسة مسؤولة تخدم العمال والمجتمع دون الإضرار بالمصلحة العامة.

ويضاف إلى ذلك غياب المساءلة الداخلية، إذ لم تخضع قيادة الاتحاد لأي تقييم أو مراجعة رغم تكرار الانتهاكات المالية والإدارية ما يعكس فشل النظام الداخلي في فرض قواعد الشفافية والمحاسبة، ومن هذا المنطلق يصبح فتح تحقيق قضائي مستقل إجراء ضروريا لتحديد المسؤوليات الفردية لكل قيادة متورطة وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون الأساسي للاتحاد والدستور التونسي سواء كانت عقوبات مالية أو إدارية أو حتى جنائية لضمان الالتزام بالقانون ويعد هذا التحقيق خطوة أولى نحو إعادة فرض النظام القانوني الداخلي وإنشاء بيئة مؤسسية تحترم فيها المبادئ القانونية وتصبح القيادات مسؤولة أمام القانون.

إضافة إلى ذلك، يمثل إلغاء التفرغ النقابي أحد الحلول الإصلاحية الأساسية إذ أن التفرغ منح القيادات صلاحيات واسعة دون رقابة فعالة ما ساعد على استمرار التجاوزات وتعطيل مصالح الدولة والمواطنين وهو ما أدى إلى تقويض الثقة بين النقابة والطبقة العمالية الكادحة ويجب أن يتم تطبيق هذا الإجراء ضمن خطة زمنية دقيقة تشمل تنظيم العمل النقابي وفق جدول قانوني واضح وإعادة توزيع المهام بين القيادات والعمال مع ضمان استمرار الدفاع عن حقوق العمال وضمان عدم تعطيل المصالح العامة أثناء مرحلة الانتقال بما يرسخ التوازن بين الواجب النقابي والمصلحة الوطنية.

وعندها يصبح من الضروري النظر في حل الاتحاد وإعادة هيكلته تحت إشراف القضاء والدولة وفق ما يسمح به القانون الأساسي للاتحاد كما سلف ذكره في حالات الفساد المالي والإداري أو إخلال القيادة بالالتزامات تجاه العمال ويتضمن هذا الحل تشكيل لجنة قضائية وإدارية مستقلة للإشراف على حل القيادة الحالية، تعيين قيادة مؤقتة شفافة وكفؤة، إنشاء مجلس تمثيلي مؤقت للعمال لضمان استمرار الدفاع عن حقوقهم وضمان حماية الممتلكات والموروث التاريخي للنقابة بما يضمن عدم توقف نشاط الاتحاد أثناء مرحلة الإصلاح، كما يجب وضع خطة قانونية وإجرائية لضمان الشفافية التامة في كل خطوة مع توثيق كل الإجراءات للتأكد من الالتزام بالقانون.

هذا وتلعب الدولة دورا محوريا في هذه المرحلة إذ أظهرت القيادة الرشيدة لسيادة الرئيس قيس سعيد جدية واضحة في محاسبة القيادات الفاسدة مؤكدة أن "لا أحد فوق القانون" وداعية إلى مراقبة إدارة الأموال العامة وحماية التراث الوطني والنضالي وهذه الرقابة تمثل ضرورة دستورية للحفاظ على توازن السلطة النقابية والمصلحة العامة وليست تدخلا سياسيا مما يعكس التزام الدولة بإعادة النقابات إلى مسارها الطبيعي ضمن إطار قانوني واضح وشفاف يحمي حقوق العمال ويعيد الثقة للمواطنين.

وبناء على ما سلف بسطه، فإن الاتحاد العام التونسي للشغل يواجه اختبارا تاريخيا حقيقيا بين الالتزام بالشفافية والمسؤولية القانونية وبين استمرار الفساد والإهمال الذي يقوض مصداقيته ويهدد دوره الوطني، ومن هذا المنطلق يصبح الالتزام بالقوانين الوطنية والدستور وتفعيل أدوات الرقابة القضائية والمساءلة هم الوسيلة الفعلية لتحقيق العدالة وإعادة الاتحاد إلى وظيفته الحقيقية كحامي للعمال والمصلحة العامة واستعادة الثقة الداخلية والخارجية بشكل مستدام.

وبناء على ما سلف بسطه، فإن الاتحاد العام التونسي للشغل يواجه اختبارا تاريخيا حقيقيا بين الالتزام بالشفافية والمسؤولية القانونية وبين استمرار الفساد والإهمال الذي يقوض مصداقيته ويهدد دوره الوطني، ومن هذا المنطلق يصبح الالتزام بالقوانين الوطنية والدستور وتفعيل أدوات الرقابة القضائية والمساءلة هم الوسيلة الفعلية لتحقيق العدالة وإعادة الاتحاد إلى وظيفته الحقيقية كحامي للعمال والمصلحة العامة واستعادة الثقة الداخلية والخارجية بشكل مستدام.

آخر الأخبار

صراع مبكر في رادس: الإفريقي يواجه الترجي الجرجيسي للانفراد بالصدارة

صراع مبكر في رادس: الإفريقي يواجه الترجي الجرجيسي للانفراد بالصدارة

كتاب "الموجز في تاريخ علم الأديان وجانبه العربي المغيب" للدكتور الصحبي بن منصور:محاولة لرد الاعتبار للجهد العربي في فهم الظاهرة الدينية

كتاب "الموجز في تاريخ علم الأديان وجانبه العربي المغيب" للدكتور الصحبي بن منصور:محاولة لرد الاعتبار للجهد العربي في فهم الظاهرة الدينية

🔴⚪ الإفريقي يطيح بالنجم في سوسة ويواصل البداية القوية

🔴⚪ الإفريقي يطيح بالنجم في سوسة ويواصل البداية القوية

🎭 المقرن تحتفي بثقافتها: الدورة السادسة للمهرجان الصيفي تنخرط في مشروع اللامركزية الثقافية

🎭 المقرن تحتفي بثقافتها: الدورة السادسة للمهرجان الصيفي تنخرط في مشروع اللامركزية الثقافية

الاتحاد العام التونسي للشغل بين الفساد والإصلاح

الاتحاد العام التونسي للشغل بين الفساد والإصلاح

Please publish modules in offcanvas position.