في صيف 2025، تصاعدت محاولات التأثير الخارجي على تونس عبر مشاريع أمريكية برلمانية تسعى مباشرة إلى التأثير في القرار الوطني وهو ما يتعارض مع مبادئ السيادة الوطنية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، فقد قدم النائب الجمهوري جو ويلسون والنائب الديمقراطي جيسون كرو مشروع "قانون استعادة الديمقراطية في تونس" (Tunisia Democracy Restoration Act)، الذي يقترح فرض عقوبات مالية وحظر سفر على مسؤولين تونسيين وتعليق المساعدات الأمريكية بذريعة حماية حقوق الإنسان واستعادة المسار الديمقراطي.
رغم المظهر الحقوقي للمشروع، فإنه يشكل تدخلا مباشرا في شؤون دولة ذات سيادة مخالفا للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تكفل احترام سيادة الدول ومنع أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية، فالأدوات المستخدم من العقوبات المالية، حظر السفر، وتعليق المساعدات تمثل ضغوطا مباشرة على مؤسسات الدولة واستقلالية القرار الوطني ما يوضح أن الهدف الحقيقي ليس تعزيز الديمقراطية بل إخضاع إرادة الشعب لتأثير خارجي وهو ما يتناقض مع مفهوم الديمقراطية الحقيقية المبنية على إرادة الشعوب وممارساتها الحرة.
على صعيد مواز، قدم السيناتور الديمقراطي ريتشارد دوربين مشروع القرار S.Res.310، الذي أعرب عن القلق من تراجع استقلال القضاء والاعتقالات السياسية وتقييد حرية التعبير لكنه في الوقت ذاته يستخدم أدوات ضغط مباشرة على مؤسسات الدولة ما يضع تونس أمام مواجهة مباشرة مع أجندات خارجية، وتكشف مقارنة هذا الموقف مع سياسة الولايات المتحدة تجاه فلسطين عن ازدواجية صارخة، فالضغوط تمارس على تونس بينما تتغاضى واشنطن عن الانتهاكات المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك الحصار والقمع العسكري وخرق الحقوق الأساسية للمدنيين، هذا التناقض يوضح أن الاهتمام الأمريكي بالديمقراطية في تونس ليس نابعا أبدا من حرص صادق على حقوق الإنسان بل يخضع لأولويات سياسية وانتقائية.
ولكن كان الرد الرسمي التونسي حازما مؤكدا أن هذه المشاريع تمثل تدخلا صارخا في الشؤون الداخلية وأن إرادة الشعب غير قابلة للبيع أو الابتزاز ويستند هذا الموقف إلى دستور تونس 2022 الذي ينص في فصله الأول على أن الجمهورية التونسية دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، وأن الشعب هو مصدر السلطات، كما تدعم المواد 45 و46 الحقوق الأساسية للمواطنين في التعبير، التجمع، والمشاركة السياسية ما يجعل أي ضغط خارجي خرقا مباشرا للقانون الوطني ويعكس حماية دستورية متينة لصون استقلال القرار الوطني.
على المستوى الدولي، تتناقض أدوات الضغط الأمريكية مع التزامات تونس بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، الذي يكفل حرية التعبير والتجمع وحقوق المشاركة السياسية دون تدخل خارجي، ويعكس الموقف التونسي المدافع عن سيادته الوطنية صلابة قانونية وأخلاقية ويبرز قدرة الدولة على التوازن بين حماية مصالحها الوطنية والدفاع عن قيم العدالة الدولية بشكل متسق بما في ذلك الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
هذا ويظهر التاريخ السياسي لتونس أن التدخلات الخارجية غالبا ما تؤدي إلى تفكيك الثقة بين المجتمع المدني والدولة وإضعاف الاستقرار الديمقراطي، ومن هنا يلعب المجتمع المدني والوعي الجماعي دورا أساسيا في حماية الديمقراطية وضمان استقلالية القرار الوطني، فالديمقراطية الحقيقية تنشأ من إرادة الشعب وممارساته الحرة بعيدا عن أي ضغوط خارجية قد تحرف مسارها أو تقلل من قيمتها.
كما وأن تونس تظل أمام تحد مزدوج يبدأ من الحفاظ على سيادتها الوطنية وحقوقها الدستورية ويمتد إلى إدارة الضغوط الدولية بحكمة واستراتيجية متوازنة وتؤكد أن الديمقراطية لا تمنح بالقوانين الأجنبية أو العقوبات الدولية بل تصان بالحرية الوطنية والوعي الجماعي واحترام إرادة الشعب، ومن هذا المنطلق يصبح ربط حماية السيادة وصون المكتسبات الديمقراطية بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية نموذجا حيا للعدالة الشاملة وغير الانتقائية.
وبالتالي، يمثل موقف تونس الوطني الراسخ المدعوم بالدستور والقانون الدولي نموذجا متقدما في حماية السيادة الديمقراطية والمكتسبات الوطنية ويضع معايير أخلاقية وسياسية صارمة أمام أي تدخل خارجي ويؤكد أن الدفاع عن الديمقراطية الداخلية وحقوق الشعوب المظلومة على رأسها الشعب الفلسطيني يمكن أن يكون متسقا وعالميا في الوقت نفسه معززا قوة إرادة الدولة في حماية سيادتها ومكتسباتها الديمقراطية.