تواجه الحكومة البريطانية موجة متصاعدة من الضغوط السياسية والحقوقية، على خلفية إضراب مفتوح عن الطعام يخوضه عدد من الناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية داخل السجون، في تحرّك احتجاجي نادر أعاد إلى الواجهة أسئلة شائكة حول حرية التعبير، وحدود الاحتجاج السياسي، وطريقة تعامل السلطات مع الأصوات المناهضة للسياسات الإسرائيلية، وفق ما أوردته صحيفة El País الإسبانية.
ويدخل الإضراب يومه الـ48 على التوالي، ليصبح أطول إضراب جماعي عن الطعام تشهده السجون البريطانية منذ ثمانينات القرن الماضي، حين خاض سجناء الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) إضرابات مماثلة. ويقبع المضربون رهن الإيقاف التحفظي في انتظار محاكمتهم، على خلفية تهم تتعلق بأعمال تخريب استهدفت منشآت وشركات مرتبطة بالصناعات العسكرية الإسرائيلية داخل بريطانيا.
ويؤكد المحتجون أن احتجازهم لفترات مطوّلة دون محاكمة يمثّل انتهاكًا صارخًا لحقوقهم الأساسية، معتبرين أن ملاحقتهم القضائية تندرج ضمن سياق أوسع من التضييق على الحراك الداعم لفلسطين في المملكة المتحدة، خاصة بعد قرار الحكومة تصنيف حركة “فلسطين أكشن” منظمة إرهابية، وهو قرار فجّر انتقادات واسعة من منظمات حقوقية وناشطين في مجال الحريات العامة.
مطالب واضحة… وأجساد تذبل
ويرفع المضربون جملة من المطالب، في مقدمتها الإفراج عنهم بكفالة، وضمان محاكمة عادلة وعلنية، ورفع القيود المفروضة على اتصالاتهم داخل السجون، إضافة إلى المطالبة بإلغاء تصنيف الحركة التي ينتمون إليها، وإغلاق منشآت عسكرية يعتبرونها متورطة بشكل مباشر في النزاعات الدامية بالشرق الأوسط.
في المقابل، حذّرت عائلات المضربين وأطباء متابعون لحالاتهم من تدهور خطير في أوضاعهم الصحية، بعد فقدانهم أوزانًا كبيرة ودخول بعضهم مراحل متقدمة من الإعياء الجسدي. وقد نُقل عدد منهم إلى المستشفى، ما أجّج المخاوف من سيناريوهات مأساوية في حال تواصل الإضراب دون تدخل عاجل.
ارتدادات سياسية وحقوقية
سياسيًا، بدأ صدى الإضراب يتسلل إلى أروقة البرلمان البريطاني، حيث وقّع عشرات النواب على رسائل تدعو الحكومة إلى مراجعة مقاربتها والتدخل لتفادي أزمة إنسانية داخل السجون. كما طالبت منظمات حقوقية محلية ودولية لندن باحترام التزاماتها القانونية والإنسانية، وعدم توظيف قوانين مكافحة الإرهاب لتجريم الاحتجاج السلمي.
ورغم ذلك، تصرّ الحكومة البريطانية على أن الملف “قضائي بحت”، مؤكدة أن إدارة السجون تتعامل مع الإضراب وفق الإجراءات المعمول بها، وأنها لن ترضخ لما تصفه بضغوط سياسية تمسّ استقلال القضاء أو مقتضيات الأمن القومي.
ما وراء القضبان… قضية رأي عام
ويرى مراقبون أن هذا الإضراب يتجاوز كونه مطلبًا سجنيًا، ليعكس انقسامًا أعمق داخل المجتمع البريطاني حول الحرب في غزة، ودور بريطانيا في تصدير السلاح، وحدود الاحتجاج المشروع في القضايا الدولية. كما يعيد إلى الواجهة نقاشًا قديمًا حول التوازن الدقيق بين متطلبات الأمن واحترام حقوق الإنسان، في ظل تشريعات الطوارئ ومكافحة الإرهاب.
ومع استمرار الإضراب وتفاقم المخاوف الصحية، تبدو الحكومة البريطانية أمام اختبار حقيقي: إما التمسك بخياراتها الأمنية والقانونية، أو الإصغاء لأصوات متصاعدة تطالب بحل إنساني وسياسي يجنّب البلاد أزمة داخلية وتداعيات خارجية قد تكون كلفتها باهظة.



