اختر لغتك

ضرورة الإسراع في  الإصلاح القانوني للمرسوم عدد 88 لسنة 2011

ضرورة الإسراع في  الإصلاح القانوني للمرسوم عدد 88 لسنة 2011

ضرورة الإسراع في  الإصلاح القانوني للمرسوم عدد 88 لسنة 2011

بالنظر في المرسوم عدد 88 لسنة 2011، يتضح منذ الوهلة الأولى أنه نص صيغ في ظرف سياسي استثنائي استند إلى نية واضحة في تكريس حرية تكوين الجمعيات كأحد أعمدة البناء الديمقراطي، لكن النوايا الحسنة وحدها لا تصنع قوانين رصينة ولا تؤسس لعلاقة متوازنة بين السلطة والمجتمع المدني، فالنص في جوهره ورغم تبنيه لحرية الإعلام عوضا عن الترخيص أغفل ما هو أعمق ألا وهو مبدأ التوازن بين الحق والواجب، بين المبادرة الفردية والمصلحة العامة، بين الحرية وضمان الانضباط العام.

مقالات ذات صلة:

الشباب والمخدرات بين الإطار القانوني والمقاربات الأمنية والاجتماعية والصحية

الموتو تاكسي في تونس بين الفراغ القانوني ومخاطر السلامة المرورية

استدعاء رجل الأعمال عبد العزيز المخلوفي للمثول أمام الأمن: استغراب من تدخل اللجنة القانونية والزج بجمهور النادي الصفاقسي

لقد تم التأسيس لنظام جمعياتي واسع وهش في آن واحد حيث أُسقطت من الحسبان الأدوات التنظيمية والرقابية اللازمة لمتابعة هذا الفضاء، فآلاف الجمعيات نشأت بعضها بعناوين براقة وبعضها الآخر دون أهداف واضحة أو هوية قانونية صلبة، فلم يشترط عليها تقديم تقارير دورية شاملة ولا أخضعت لهيكل مراقبة مستقل أو لسلطة تدقيق مالي وقانوني قادرة على التثبت من مصادر تمويلها ومسارات صرفها، وبهذا الشكل ولدت ثغرات جوهرية لم تملأ إلى اليوم فأصبحت بعض الجمعيات فاعلا فوق القانون تمارس أنشطة ذات طابع سياسي أو مالي خفي دون قدرة الدولة على التحرك في إطار قانوني ناجع.

ولا ينصور أن يمنح كيان جمعياتي استقلالية تامة دون أن يربط ذلك بحزمة من الالتزامات الواضحة والقابلة للمتابعة والمحاسبة، غير أن المرسوم المعني لم يلزم هذه الكيانات إلا بالحد الأدنى من الإجراءات الشكلية، فلا عقوبات رادعة، لا منظومة تقييم دورية، لا تصنيف نوعي واضح، ولا حتى واجب تنسيقي مع السياسات العمومية، كما وأن غياب هذا النسق القانوني المتكامل أفرز واقعًا تكثر فيه الجمعيات وتقل فيه الشفافية، تتعاظم فيه المبادرات وتضعف فيه الرقابة بما يؤدي في المحصلة إلى تحويل الفعل الجمعياتي من رافد تنموي إلى مساحة مريبة تحتمل التأويل وتفتقر إلى الشرعية الوظيفية.

ثم إن التباطؤ غير المبرر في تنقيح هذا المرسوم رغم تعاقب الحكومات ومع تزايد المؤشرات حول التجاوزات لا يفهم إلا في إطار حالة تردد تفتقر إلى الحسم، فقد توفرت كل المعطيات المادية والموضوعية لتعديل النص، بل إن الإبقاء عليه بصيغته الحالية يعد إخلالا بواجب حماية المصلحة العامة وتهاونا أمام ممارسات قد تمس بأمن الدولة المالي والاجتماعي، فتعديل النص ليس ترفا تشريعيا ولا رد فعل سياسياً لكنه استحقاق موضوعي تأخر أكثر من اللازم.

ومن زاوية قانونية صرفة، فإن السكوت على هذه الفجوات يعد بمثابة قبول ضمني باستمرارها ما يطرح إشكالية جدية تتعلق بشرعية الإطار القانوني المنظم للعمل الجمعياتي في سياق يتغير بسرعة سياسيا وأمنيا ومجتمعيا، فالنصوص حين تبنى على لحظة ظرفية تصبح بالية حين يطول العهد بها دون مراجعة، فكيف إذا ثبت واقعا أن هذا النص بات يستغل من بعض الأطراف لغايات لا علاقة لها بالمجتمع المدني إنما تتصل بأجندات حزبية مذهبية أو حتى أجنبية؟

ليس المطلوب التضييق على الحريات، فذلك مرفوض رافضه تاما بل المطلوب وضع حد دقيق بين الحريات والفوضى، بين المبادرة والانفلات، بين الاستقلالية والسيادة، اذ إن الإطار القانوني الناجع هو الذي يضمن الحرية من موقع المسؤولية لا الذي يطلقها دون أفق فيتحول إلى أداة تسيء لمفهوم الدولة ومؤسساتها.

ومن هذا المنطلق، فإن المسؤولية لم تعد فقط أخلاقية أو سياسية لكن أصبحت مسؤولية قانونية صريحة، فالتمادي في تجاهل التنقيح مع العلم التام بآثاره السلبية يعد امتناعا عن القيام بالفعل التشريعي الواجب في وقت باتت فيه الحاجة ماسة إلى نظام قانوني يضبط لا يقمع، يوجه، لا يقيد، يؤسس لحرية مسؤولة لا لفوضى ممأسسة.

آخر الأخبار

الذراري الحُمر على خط النار في مالمو: السينما التونسية تسرق الأضواء في مهرجان الشمال!

الذراري الحُمر على خط النار في مالمو: السينما التونسية تسرق الأضواء في مهرجان الشمال!

عن السيادة التي لا تراقب بين خفة التصريح وثقل الدولة

عن السيادة التي لا تراقب بين خفة التصريح وثقل الدولة

وداعًا أنور الشعافي… رحيل أيقونة مسرحية كسرت النمط وأشعلت التجريب

وداعًا أنور الشعافي… رحيل أيقونة مسرحية كسرت النمط وأشعلت التجريب

كارثة إنسانية على طرق الهجرة: 72 ألف مفقود وقتيل خلال عقد… والأمم المتحدة تطلق صرخة إنذار

كارثة إنسانية على طرق الهجرة: 72 ألف مفقود وقتيل خلال عقد… والأمم المتحدة تطلق صرخة إنذار

محصول الحبوب يفاجئ التونسيين: إنتاج يغطي 60% من الحاجيات الوطنية… لكن التحدي لوجستي!

محصول الحبوب يفاجئ التونسيين: إنتاج يغطي 60% من الحاجيات الوطنية… لكن التحدي لوجستي!

Please publish modules in offcanvas position.