اختر لغتك

مهرجان داميا تجسيد للروح الإنسانية عبر الفن والإبداع

مهرجان داميا تجسيد للروح الإنسانية عبر الفن والإبداع

في عالم يغمره التحدي وتتنازع فيه القيم والمفاهيم يظل الفن هو الأداة التي تذكرنا بقدرتنا على التواصل العميق عبر الأبعاد الإنسانية البحتة، وبينما تزدحم المساحات بالأحداث العابرة يبرز مهرجان داميا كواحة فنية تتجاوز حدود الزمان والمكان حيث يلتقي الإبداع بكل تجلياته مع الفكر ليجسد مشهدا من الرؤية المستقبلية التي تبني الإنسان قبل أن تبني المكان، وفي هذا الحدث الثقافي لم يكن الفن مجرد وسيلة للترفيه لكنه كان فعلا عميقا يتجاوز الحواس ليصل إلى قلوب الحاضرين ويغذي العقول بروح جديدة من التفاؤل والتواصل.

وفي هذا السياق، يكتسب حضور السيدة رقية العلي ممثلة سفارة فلسطين رفقة الوفد المرافق لها دلالة خاصة جدا، فهي لم تكن فقط تمثل بلدا فقط لكنها كانت تجسد بمثابة تأكيد على الدور الحيوي الذي يلعبه الفن بوصفه وسيلة إنسانية خالصة تتجاوز السياسة والجغرافيا، في كل لحظة، كانت العل تذكرنا بأن الفن هو أداة الإنسان الأولى للاتصال بغيره وأن الفعل الثقافي هو الجسر الذي يعبر عليه العالم نحو التفاهم الحقيقي وحضورها كان بمثابة دعوة عميقة لتجاوز التجزئة الجغرافية والارتقاء إلى أفق إنساني مشترك يلتقي فيه الفكر بالجمال وتحلق فيه الأرواح فوق الخلافات العابرة.

لكن إذا كان الحضور الدبلوماسي يشير إلى سعي مخلص نحو تجسيد هذا التفاهم الإنساني، فإن فئة الأشبال الذين قدموا عروضهم المسرحية كانوا بمثابة الفجر الذي يشرق على الأمل، فهؤلاء الأطفال الذين يعبرون عن أنفسهم بكل براءة وحلم كانوا يمثلون المستقبل الذي يحمله الفن بين طياته والمسرحية التي قدموها لم تكن مجرد عرض ترفيهي لكنها كانت بمثابة لغة رمزية تتحدث عن غد مشرق حيث تتداخل الأفكار البسيطة مع الأعمق من التطلعات، ومن خلال كلماتهم وحركاتهم البريئة كانت الطفولة تنطق بحكمة غير محدودة تبعث على التأمل في كيفية أن الفن هو الأداة التي يمكنها إعادة تشكيل العالم من جديد بتوجيه الأفكار نحو ما هو إنساني بحت.

وفي ذات السياق، نجد أن عرض الأزياء الذي تخلل المهرجان كان بمثابة رؤية تتجاوز مجرد الفن البصري، فكل زي وكل تفصيل كان يحمل في طياته سردا ثقافيا عميقا حيث المزج بين التراث التونسي العريق والفلسطيني، وبين التصميمات الحديثة كان يرمز إلى الوحدة بين الماضي والحاضر، بين الأصالة والتجديد، ولم تكن الأزياء مجرد ملابس إنما كانت لغة صامتة تعبر عن الهوية الثقافية التي تحتفظ بجوهرها وتفتح أمامها آفاقا جديدة، وفي هذا العرض كانت الثقافة التونسية تنبض بالحياة مثبتة أن الهوية لا تتناقض مع التقدم ولكنها تتناغم معه لتظل ثابتة في مواجهة تقلبات الزمان.

أما الحرس الوطني في معتمدية نبر فقد كان الحارس الصامت لنجاح الفعالية يؤدي مهمته بكل التزام وجدية في الظل دون ضجيج أو ادعاء لكنه كان حاضرا في كل لحظة يسهر على سلامة المكان وسير الحدث بسلاسة ويمنح الحضور شعورا بالطمأنينة كأنه صمام الأمان الذي لولاه لما تواصلت اللحظة الثقافية بكل هذا الصفاء والتناغم، ولم يكن وجوده مجرد إجراء أمني لكنه كان حضورا داعما غير مرئي يمد الفعالية بقوة الاستمرارية ويؤمن للمشاركين والمبدعين مناخا آمنا يمكنهم من التعبير والانطلاق دون خوف،  ليجسد مفهوم الأمن الثقافي في أرقى معانيه حيث يتحول الحارس إلى شريك في النجاح حاميا للحلم قبل أن يحمي الجسد وساهرا على الجمال دون أن يعيقه، بهذا الحضور المتواضع والفاعل أكد الحرس الوطني أن السلامة ليست تفصيلا تقنيا لكن هي الأساس الذي تبنى عليه اللحظات الإبداعية وأن كل نشاط ثقافي ناجح يحتاج إلى من يحرسه بإخلاص حتى وإن لم يذكر اسمه لأن بعض الأدوار العظيمة تؤدى في صمت ويكفي أنها تنجز في كنف الوفاء للمهمة.

وفي ظل هذه الفعاليات العميقة، لابد من الإشارة ايضا إلى الدور الكبير الذي لعبته قوات الأمن سواء الشرطة أو الأمن السياحي في ضمان سير المهرجان بأمان وسلاسة، فلقد كانت جهودهم بمثابة الدرع الحامي لهذا الحدث الثقافي حيث تضافرت قوتهم وانضباطهم لضمان ألا تعكر أي عقبة صفو الأجواء الاحتفالية، كما مثلت قوات الأمن والمراقبة السياحية عنصرا أساسيا في تأمين الحضور والمشاركين خاصة داخل ولاية الكاف مما سمح للجميع بالاستمتاع بالعروض في أجواء من الطمأنينة والفرح، برغم وأن هذه الجهود الأمنية لم تكن مجرد عمل روتيني لكنها كانت جزءا من البناء الثقافي ذاته تسهم في خلق بيئة آمنة ومثمرة للفنون وتجسد كيف يكون الأمن شريكا في الإبداع.

ولا يمكن أن نغفل دور السيدة نوال شعبوني رئيسة فرع جمعية الكاف التي تمثل تجسيدا حقيقيا للقيادة الثقافية، فعملها المستمر والرؤية الاستراتيجية التي اتبعتها لتنظيم هذا المهرجان تظهر كيف أن العمل الثقافي هو مزيج بين الوعي بالماضي ورؤية المستقبل، فكل خطوة اتخذتها كانت بمثابة حجر أساس في بناء مساحة فنية تشكل جسرا بين الأجيال والأفكار،  نوال شعبوني اختى كما اسميها بعزمها وابتسامتها أصبحت نموذجا حيا للقوة التي يمتلكها الإنسان عندما يعمل بروح جماعية ويضع الفن في قلب هذا العمل ليجعل منه سلاحا لبناء جسور التفاهم.

ختاما، مهرجان داميا لم يكن مجرد حدث فني إنما كان فعلا ثقافيا يعيد ترتيب أولوياتنا الإنسانية، فهو تذكير بأن الفن هو منبع الأمل وأنه من خلال الفنون وحدها يمكن أن نجد سبلا للتواصل والتفاهم بين الأمم والشعوب، فالفن، في جوهره هو وسيلة لبناء عالم أفضل، عالم يعي أن الجمال ليس سطحيا لكنه تجسيد حقيقي للروح الإنسانية التي تسعى نحو التغيير والتحول.

آخر الأخبار

تونس تستعرض عضلاتها التنظيمية: حفل استقبال ينبئ بمؤتمر عالمي شبابي استثنائي للغرفة الفتية الدولية

تونس تستعرض عضلاتها التنظيمية: حفل استقبال ينبئ بمؤتمر عالمي شبابي استثنائي للغرفة الفتية الدولية

ذعر في الأجواء: شركات طيران عالمية تعلق رحلاتها إلى تل أبيب بعد الهجوم الصاروخي من اليمن

ذعر في الأجواء: شركات طيران عالمية تعلق رحلاتها إلى تل أبيب بعد الهجوم الصاروخي من اليمن

مهرجان داميا تجسيد للروح الإنسانية عبر الفن والإبداع

مهرجان داميا تجسيد للروح الإنسانية عبر الفن والإبداع

صاروخ يمني يهزّ إسرائيل: انفجارات في القدس وتل أبيب وتعطيل حركة الملاحة الجوية

صاروخ يمني يهزّ إسرائيل: انفجارات في القدس وتل أبيب وتعطيل حركة الملاحة الجوية

تصعيد جديد بين الجارتين النوويتين: باكستان تحظر دخول السفن الهندية إلى موانئها

تصعيد جديد بين الجارتين النوويتين: باكستان تحظر دخول السفن الهندية إلى موانئها

Please publish modules in offcanvas position.