في واقعة مروّعة هزّت العاصمة الليبية طرابلس، أعلنت وزارة الداخلية الليبية مساء الثلاثاء 20 ماي 2025، عن العثور على 58 جثّة مجهولة الهوية داخل مشرحة مستشفى الحوادث بمنطقة أبو سليم، وهي منشأة طبية كانت خاضعة لسيطرة جماعة مسلحة قُتل قائدها الأسبوع الماضي.
وقالت الوزارة في بيان رسمي إن بلاغًا ورد من إدارة المستشفى بشأن وجود الجثث داخل ثلاجات المشرحة، حيث سارع المحققون إلى فتح تحقيق عاجل في ملابسات القضية، التي وصفتها مصادر حقوقية بأنها "قد تكشف عن واحدة من أكبر الجرائم الغامضة في طرابلس منذ سنوات".
تحلل وحروق... ومصير مجهول
بحسب الصور التي نشرتها الداخلية، ظهرت الجثث مرقّمة داخل ثلاجات قديمة، وقد تم حجب الوجوه لأسباب إنسانية، فيما أظهرت المعاينات الأولية أن بعض الجثث في حالة تحلل متقدّم، وأخرى تحمل آثار حروق واعتداءات جسدية.
وأضاف البيان أن فرق الطب الشرعي باشرت في رفع العينات البيولوجية من الجثث البالغ عددها 58، وتم حتى الآن الكشف على 23 منها في محاولة لتحديد الهوية من خلال تحليل الحمض النووي، وسط حالة من الصدمة تسود أوساط الأهالي وسكان المنطقة.
علاقة محتملة بالجماعة المسلحة؟
تأتي هذه الحادثة بعد مقتل قائد الجماعة المسلحة التي كانت تسيطر على المستشفى، وهو ما يثير شبهات قوية حول احتمال تورّط هذه الجماعة في جرائم تصفية جسدية أو احتجاز تعسفي لضحايا لم يتم الإبلاغ عنهم خلال الأشهر الماضية.
وتعليقًا على الواقعة، قالت مصادر أمنية مطلعة إن هناك مخاوف من أن تكون هذه الجثث لأشخاص اختفوا قسرًا في ظروف غامضة، خصوصًا في ظل تفشي ظاهرة السجون السرية والانتهاكات في مناطق سيطرة بعض الميليشيات المسلحة بالعاصمة.
دعوات دولية لفتح تحقيق شفاف
وأثارت الحادثة ردود فعل غاضبة من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، حيث دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى فتح تحقيق فوري ومستقل لكشف ملابسات وجود هذا العدد الكبير من الجثث داخل منشأة يفترض أن تكون تحت إشراف صحي رسمي.
من جهته، طالب الناشط الحقوقي الليبي فؤاد المصراتي بضرورة نشر تفاصيل التحقيق أمام الرأي العام، محذرًا من محاولات طمس الحقائق أو تمييع القضية، خاصة في ظل ضعف مؤسسات الرقابة والعدالة في البلاد.
أين الدولة؟
تضع هذه الكارثة السلطات الليبية أمام اختبار حقيقي في مدى قدرتها على التعامل مع ملف حقوق الإنسان ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات، مهما كانت انتماءاتهم.
وفي ظل غياب الاستقرار السياسي وتنامي نفوذ الجماعات المسلحة، تبرز هذه الحادثة كتجسيد مرير لما تعيشه ليبيا من فوضى أمنية وانهيار مؤسساتي يفتح الباب لارتكاب الفظائع دون رادع.
فهل ستكون جثث مشرحة أبو سليم بداية لكشف مقابر الأسرار في طرابلس؟ أم أنها ستُضاف إلى قائمة الجرائم المسكوت عنها في بلد أنهكته الحروب والتجاذبات؟