في مشهد هزّ منطقة بوحجلة من ولاية القيروان، لفظ العرّاف المعروف باسم "سحتوت" أنفاسه الأخيرة في ظروف غامضة، بعد أن تجرّع مبيدًا حشريًا عن طريق الخطأ، وفق الرواية الأولية. الرجل الذي فقد بصره منذ سنوات، وكان يُعرف بين الأهالي بقدرته على "كشف الغيب" وإلقاء الطالع، وجد نفسه هذه المرّة في مواجهة قدر لم يستطع التنبؤ به.
النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالقيروان سارعت إلى إصدار تعليماتها بتحويل الجثة إلى قسم التشريح بوحدة الأغالبة بالمستشفى الجامعي ابن الجزار، لفتح محضر بحث معمّق يهدف إلى كشف الأسباب الحقيقية للوفاة، وسط حديث الشارع عن احتمالات تتجاوز مجرد "حادث عرضي".
سحتوت، الذي سكن منطقة طراد بمعتمدية بوحجلة، كان شخصية مثيرة للجدل. فبين من اعتبره "عرّافًا" يقصده الناس بحثًا عن إجابات لمصائرهم، ومن رأى فيه مجرد شخص استغل سذاجة البعض، ظلّ الرجل محاطًا بالقصص والحكايات التي غذّت شهرته. لكن موته المفاجئ طرح علامات استفهام أكبر:
كيف لشخص فاقد للبصر أن يتناول مبيدًا حشريًا دون أن يتفطّن أحد من محيطه؟
هل نحن أمام حادث مأساوي بريء، أم أنّ هناك أيادٍ خفية دفعت "سحتوت" إلى نهاية درامية؟
الأهالي في بوحجلة تداولوا قصصًا متناقضة؛ منهم من يجزم بأن الوفاة قضاء وقدر، ومنهم من يتحدث عن خصومات قديمة وخطوط تماس بين عالم "العرافة" ومصالح شخصية لم تُكشف بعد. وفي انتظار نتائج تقرير الطب الشرعي، يبقى الغموض سيّد الموقف.
رحيل "سحتوت" لن يُغلق ملف الجدل الذي أثاره طيلة حياته، بل فتح الباب على مصراعيه أمام سلسلة من التساؤلات المعلقة: هل انتهت القصة بمبيد حشري، أم أننا أمام خيوط ستكشف قريبًا عن أسرار أخرى لم تُرو بعد؟