اختر لغتك

تونس تقود نموذجا رائدا في الوقاية من التطرف العنيف عبر المجالس المحلية للشباب

تونس تقود نموذجا رائدا في الوقاية من التطرف العنيف عبر المجالس المحلية للشباب

تونس تقود نموذجا رائدا في الوقاية من التطرف العنيف عبر المجالس المحلية للشباب

في زمن تتزايد فيه التحديات الأمنية والاجتماعية وتتعقد فيه مسارات التطرف العنيف بأشكاله المختلفة تبرز التجربة التونسية كإحدى التجارب العربية الرائدة التي تمزج بين الوقاية المجتمعية والتمكين الشبابي، ومن هذا المنطلق احتضنت تونس يوم السابع من أكتوبر 2025 مؤتمرا دوليا حمل عنوان "المجالس المحلية للشباب عبر الحدود: تجربة تونسية في خدمة الوقاية من التطرف العنيف"، بتنظيم مشترك بين صندوق المشاركة المجتمعية العالمية والصمود (GCERF) ومنظمة We Love Sousse، واللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف (CNLCT) بمشاركة خبراء من تونس وعدة دول عربية وإفريقية، وقد شكل هذا المؤتمر محطة تقييم وتفكير جماعي في سبل مواجهة التطرف العنيف من خلال الاستثمار في طاقات الشباب كقوة تغيير إيجابي وصمام أمان للمجتمعات.

منذ اللحظات الأولى لافتتاح المؤتمر بدا واضحا أن التنظيم انطلق من رؤية متكاملة تقوم على التدرج المنهجي في طرح القضايا والربط بين التحليل النظري والتطبيق الميداني، لتفتتح الجلسات العامة بجلسة أولى عنوانها “من الالتزام المحلي إلى التأثير العالمي: تحفيز الشباب من أجل مجتمعات أكثر أمانا”، بإدارة الدكتور جميل بن علي وبمشاركة شخصيات وطنية ودولية من بينها السيد أنيس بوفريخة رئيس جمعية "نحن نحب سوسة" والسيد مروان بوزيدي عن اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف والسيد نزار العوسجي مندوب الشباب والرياضة إلى جانب الدكتور محمد عباس من العراق والسيدة سنية يراه الله من موريتانيا.

هذا وتركزت المداخلات على تحليل جذور التطرف من زوايا اجتماعية واقتصادية وثقافية ونفسية، فقد أوضحت الدكتورة سميحة حمدي أن الفقر والبطالة وتراجع المشاركة المدنية تشكل تربة خصبة لخطابات التطرف داعية إلى اعتماد سياسات إدماج عادلة تردم الفجوة بين الشباب والدولة، كما عرض السيد كريم يعقوبي دور الصمود النفسي في الوقاية المبكرة من التطرف مؤكدا أن تحصين الوعي يبدأ من المدرسة ومن الفضاءات التربوية، أما الدكتورة آمنة جبلاوي فقدمت مقاربة أنثروبولوجية لظاهرة التطرف بين الشباب معتبرة أن غياب الإحساس بالانتماء المجتمعي يولد هوامش خطيرة تُستغل لتغذية الانغلاق الفكري.

كذا جاءت المناقشات في هذه الجلسة لتؤكد أن مكافحة التطرف ليست مسألة أمنية فحسب بل هي معركة تنموية وفكرية تتطلب حلولا متعددة الأبعاد: اجتماعية، اقتصادية، نفسية وثقافية، وبعد تفاعل مثمر بين الحضور والمتدخلين اتضح أن بناء الوعي الجمعي والثقة المؤسسية يشكلان الأساس لأي استراتيجية ناجعة في الوقاية.

للتواصل أعمال المؤتمر مع الجلسة الثانية التي خصصت لعرض التجربة التونسية في المجالس المحلية للشباب (CL) وهي مبادرة ولدت من رحم الحاجة إلى إشراك الشباب في اتخاذ القرار المحلي، وتولت تيسير الجلسة السيدة ريم عموني وقدم خلالها السيد نزار العوسجي عرضا شاملا حول المنهجية التشاركية التي أُنشئت بها هذه المجالس في مختلف الجهات التونسية مبينا كيف تحولت إلى فضاء فعلي لتبادل الأفكار وبناء المبادرات التنموية، كما استعرض السيد حاتم بلقايد نتائج التعاون بين الهياكل الشبابية الرسمية والمجالس المحلية مؤكدا أن العمل المشترك بين الطرفين ساهم في إعادة الثقة بين الشباب والمؤسسات.

في السياق ذاته، عرض السيد تامر حديد من جمعية "نحن نحب سوسة" رؤية المجتمع المدني في دعم المجالس باعتبارها "نهجا مجتمعيا لبناء الصمود"، فيما قدّمت السيدة نور غربي والسيد مالك دخليلي شهادات حية عن تجربتهما داخل هذه المجالس وكيف أسهمت مشاركتهما في تطوير حسّ القيادة والمسؤولية لديهما، وقد خلصت المداخلات إلى أن هذه المجالس لا تمثل مجرد هياكل استشارية بل تعد مختبرا حقيقيا لتجريب الديمقراطية التشاركية وترسيخ مفهوم المواطنة الفاعلة.

أما الجلسة الثالثة، فقد فتحت آفاق النقاش نحو البعد الإقليمي تحت عنوان “التحالفات العابرة للحدود: دروس وتجارب من المنطقة”، لتعرض السيدة سنية يراه الله من موريتانيا تجربة تكييف النموذج التونسي مع واقع بلادها مؤكدة أن الشباب الموريتاني وجد في هذه المقاربة فضاء للانتماء والمشاركة، كما تناول السيد سيف الإسلام الهنغاري من ليبيا الصعوبات التي تواجه المجالس في مناطق النزاع مشددا على أن الوقاية من التطرف في السياقات الهشة تتطلب إعادة بناء الثقة في المؤسسات أولا، وبدوره قدم السيد أنس الروشد من الأردن عرضا حول دور المجالس الشبابية في تعزيز التماسك الاجتماعي في سياق الهجرة واللجوء مسلطا الضوء على أهمية التكييف المحلي للنماذج مع خصوصيات كل مجتمع.

هذا واختتمت أشغال المؤتمر بجلسة عامة أدارتها الدكتورة حنان الشابي وتم خلالها عرض أبرز النتائج والتوصيات التي توصل إليها المشاركون وقد شدد البيان الختامي على ضرورة ضمان استدامة المجالس المحلية للشباب من خلال إدماجها قانونيا ضمن السياسات الوطنية وتخصيص ميزانيات مستقلة لدعم أنشطتها وتوسيع التجربة لتشمل مختلف الولايات خصوصا المناطق الداخلية التي تعاني من هشاشة اقتصادية واجتماعية.

في التحليل العام لما دار خلال هذا المؤتمر يتضح بشكل جلي أن التجربة التونسية في مجال الوقاية من التطرف العنيف تبنى على منطق الوقاية الشاملة لا الردع الأمني فقط، إذ تضع الإنسان – وخاصة الشباب – في قلب المعادلة وهي مقاربة تتناغم مع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف العنيف والإرهاب (2023–2027) التي تركز على التعاون بين الدولة والمجتمع المدني وكذلك مع الاستراتيجية الوطنية للشباب 2035 التي تهدف إلى تمكين الشباب من المشاركة في صياغة السياسات العامة وتحقيق اندماج اقتصادي واجتماعي فعّال.

وتظهر الإحصائيات الحديثة أن نسبة البطالة في تونس بلغت سنة 2024 حوالي 16.2% بينما تصل في صفوف الشباب إلى أكثر من 40%، كما يتجاوز معدل الفقر الوطني 15% وفق بيانات GCER، وهي مؤشرات تبرز الحاجة إلى برامج مستدامة تجمع بين التمكين الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والتربية المدنية باعتبارها أدوات أساسية لتحصين الشباب من مخاطر التطرف والانغلاق.

كما أكد المشاركون في ختام المؤتمر أن الوقاية من التطرف العنيف لا يمكن أن تتحقق دون تمكين الشباب والنساء ودون بناء هياكل محلية تشاركية تعكس أصوات الفئات المهمشة، ومن هنا جاءت التوصيات العملية التي شددت على تعزيز صلاحيات المجالس المحلية للشباب وتعميم التجربة على باقي المناطق وتنظيم دورات تكوين مستمرة في مجالات القيادة والتفكير النقدي والإعلام الرقمي إضافة إلى إرساء آليات متابعة وتقييم مستقلة تقيس الأثر الحقيقي لهذه البرامج.

ختاما،  التجربة التونسية في المجالس المحلية للشباب تمثل اليوم نقطة ضوء في مسار الوقاية من التطرف العنيف على الصعيدين الوطني والإقليمي، فهي تثبت أن الحلول لا تأتي من أعلى الهرم بل من القاعدة من حيث يبنى الأمل وتنبت المواطنة الفاعلة وعبر الحوار والتعليم والعمل المشترك يمكن تحويل مجتمعاتنا إلى فضاءات أكثر أمانا وعدلا وصمودا حيث يكون الشباب جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة.

آخر الأخبار

الدكتور الصحبي بن منصور لـ"توانسة": الأنظمة تسقط حين تفقد المشروعية لا حين تفقد السيطرة

الدكتور الصحبي بن منصور لـ"توانسة": الأنظمة تسقط حين تفقد المشروعية لا حين تفقد السيطرة

ثلاثي الإفريقي في مرمى الرحيل خلال الميركاتو الشتوي

ثلاثي الإفريقي في مرمى الرحيل خلال الميركاتو الشتوي

وزير الأمن القومي الإسرائيلي يقتحم مجددًا باحات الأقصى وسط توتّر إقليمي متصاعد

وزير الأمن القومي الإسرائيلي يقتحم مجددًا باحات الأقصى وسط توتّر إقليمي متصاعد

قوات الاحتلال تهاجم أسطول الحرية في المياه الدولية وتحتجز ثماني سفن

قوات الاحتلال تهاجم أسطول الحرية في المياه الدولية وتحتجز ثماني سفن

ميلوني ووزراءها أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم “التواطؤ في إبادة جماعية” في غزة

ميلوني ووزراءها أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم “التواطؤ في إبادة جماعية” في غزة

Please publish modules in offcanvas position.