شهد الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في 3 سبتمبر 2025 خطوة غير مسبوقة تمثلت في استقالة جماعية لموظفيه خلال اجتماع المكتب التنفيذي واللجنة المركزية ما يعكس عمق الأزمة المالية التي يعانيها الاتحاد، فقد أدى توقف صرف الأجور لأكثر من عشرة أشهر إلى شلل شبه كامل في النشاط اليومي مما يسلط الضوء على ضرورة ربط التمويل المستدام بكفاءة الإدارة المؤسسية لضمان استمرار دور الاتحاد التاريخي في تمكين المرأة.
وتعود جذور الأزمة المالية إلى توقف المنحة السنوية التي تخصصها الدولة ككتلة أجور وهو ما أثر بشكل مباشر على رواتب الموظفين واستمرارية برامج الدعم الاجتماعي ولاسيما الفئات الهشة والنساء الريفيات المستفيدات الرئيسيات من مبادرات الاتحاد، ويشير ذلك إلى الترابط الحتمي بين الشفافية المالية والامتثال القانوني إذ امتنعت الدولة عن صرف المنحة بسبب عدم تقديم الاتحاد للقوائم المالية الكاملة ومعالجة الخروقات التي أشار إليها مراقبو الحسابات ومحكمة المحاسبات مما يبرز أن الامتثال القانوني ليس خيارا لكنه شرط أساسي لاستمرارية الدعم الحكومي.
تاريخيا، تأسس الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في جانفي 1956 بعد الاستقلال مباشرة ليعكس رؤية واضحة للتمكين النسائي والمشاركة الاجتماعية، وقد ساهمت مجموعة من المناضلات البارزات مثل عائشة بلاغة، راضية الحداد، فتحية مزالي، وشاذلية وسعيدة بوزقرو، في تأسيس الاتحاد بينما أسندت الرئاسة الشرفية لاحقا إلى وسيلة بن عمار و الآن الى راضية الجربي، ومن هذا المنطلق يصبح أي خلل في الإدارة المالية الحالية تهديدا مباشرا لاستمرارية الإنجازات التاريخية التي بدأتها المنظمات النسائية بعد الاستقلال والتي شملت الإصلاحات القانونية الكبرى مثل إصدار مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 1956 وهو إصلاح فريد في العالم العربي يؤكد الدور المؤسسي للاتحاد في تعزيز الحقوق النسائية.
وعلى مدى العقود، واصل الاتحاد تنظيم حملات التوعية والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية وتعزيز مكانة المرأة من خلال برامج التكوين المهني ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، إضافة إلى تعزيز مشاركة المرأة في المناصب القيادية لكن الأزمة المالية الحالية تظهر كيف أن أي خلل في الإدارة المالية ينعكس بشكل مباشر على فعالية البرامج واستفادة المستفيدات مما يوضح الترابط الضروري بين الحوكمة المالية وكفاءة الأداء المؤسسي والتمويل المستدام.
ومن الناحية القانونية، يؤكد دستور تونس لسنة 2022 في فصليه الثالث والخامس التزام الدولة بدعم الجمعيات والمنظمات الوطنية التي تخدم المجتمع مع ضمان الشفافية والمساءلة ويبرز هنا أن توقف المنحة يعكس عدم الامتثال لمتطلبات الشفافية ما أدى إلى شلل في صرف الرواتب وتأجيل الأنشطة مؤكدا أن الالتزام بالقانون هو عامل حاسم لاستمرارية المنظمات الوطنية وقدرتها على تحقيق أهدافها المجتمعية.
في ضوء الاستقالة الجماعية للعاملين يواجه الاتحاد تهديدا حقيقيا لمكانته التاريخية، إذ قد يؤدي استمرار الأزمة المالية والإدارية إلى إضعاف دوره الاجتماعي والسياسي خصوصا في دعم النساء الريفيات والفئات الهشة، ومن هذا المنطلق يظل التساؤل مطروحا حول مدى تدخل الدولة لإعادة هيكلة الاتحاد وضمان الشفافية المالية واستعادة قدرة المنظمة على تمكين المرأة ما يربط الماضي بالحاضر ويحدد مسار المستقبل، إذ إن الحفاظ على المنظمات الوطنية يتطلب توازنا دقيقا بين الإدارة الحكيمة والتمويل المستدام والامتثال القانوني لضمان استمرار رسالتها التاريخية.