اختر لغتك

الدم الذي تصمت أمامه الدولة

الدم الذي تصمت أمامه الدولة

الدم الذي تصمت أمامه الدولة

ها هي البلاد تمضي في صمتها المدوي بينما يحفر في جسدها جرح جديد، جرح ينزف أسماء وأرواحا أربعة عشر امرأة قتلن منذ مطلع هذا العام، أربعة عشر جسدا هشمته يد العنف، أربعة عشر صوتا أخرس بالقوة؛ في كل مرة يطرح السؤال لماذا؟ لكن الأجوبة لا تأتي سوى بوجه أكثر قسوة لأنهن نساءر هكذا ببساطة العنف وابتذاله.

مقالات ذات صلة:

الطلاق خارج المحكمة هو تفكيك مقنع لوظيفة القضاء الأسري ومس بجوهر الدولة القانونية في دستور 2022

وزير أملاك الدولة يفتح ملف العقارات: نحو ثورة رقمية وتبسيط للإجراءات في الديوان الوطني للملكية

عن السيادة التي لا تراقب بين خفة التصريح وثقل الدولة

في صلب كل منظومة اجتماعية توجد عقدة مركزية من يحكم العنف؟ هل القانون؟ هل الضمير؟ أم التواطؤ الصامت؟

في بلادنا، الجواب صارخ رغم مواراته تحت طبقات الخطب والتقارير: العنف هو الذي يحكم النساء لا القانون، العنف هو السيد حين تعجز الدولة عن أداء واجبها الجوهري حماية الحق في الحياة.
  من يمعن النظر في هذه الجرائم يكتشف أن القاتل ليس فردا معزولا ولا حادثة شاذة بل هو تجلّ صريح لبنية كاملة، بنية تنتج القتل كما تنتج اللغة كما تنتج الأعراف؛ فحين تقتل النساء في بيوتهن، أمام أطفالهن، في الشارع، فهذا ليس انحرافا فرديا لكنه إعلان عن نظام اجتماعي يشرعن استباحة أجساد النساء وحين تعجز الدولة عن كسر هذه البنية فهي ليست فقط مقصرة لكنها شريكة فعلية في إعادة إنتاج القتل.

لن نحتاج إلى فذلكات قانونية لنفهم معنى الشراكة هنا، يكفي أن نرى كيف تركت نساء كثيرات دون حماية رغم بلاغات سابقة، يكفي أن نرى كيف ظلت أجهزة الأمن تتباطأ في تنفيذ قرارات الحماية، يكفي أن نرى كيف تعامل بعض القضاة مع العنف كـ "نزاعات أسرية" يفصل حلها بالصلح لا بردع الجاني، يكفي أن نرى كيف ما زالت النصوص القانونية تمنح مساحات للهروب من العقاب الكامل سواء بتخفيف العقوبات أو بقبول تبريرات ساقطة تحت مسمّيات واهية.

عندما يصبح جسد المرأة ميدانا مشروعا لممارسة العنف في ظل غياب حماية جدية وفعالة نكون أمام انهيار عميق لفكرة العدل وحين تغدو الحماية مشروطة  بأن تكون المرأة "صالحة" أو "محترمة" في نظر المجتمع فإننا نفقد جوهر المواطنة ذاته، فالمواطنة تعني أن تحظى بالحماية المطلقة غير المشروطة وغير القابلة للمساومة وحين تنتزع هذه الحماية فالمجتمع بأسره يصبح شريكاً في القتل.

إن الدولة حين لا تفعل القوانين المعلنة بآليات ناجعة فهي تخلق فراغا قانونيا يسمح للعرف ولعنف الشارع أن يحلا محلها هذا هو أخطر أنواع العنف، فحين يغيب القانون الفعلي،ويتقدم العنف كمشرع صامت، عندئذ لا يبقى لجسد المرأة إلا هشاشة كاملة أمام بنية اجتماعية لا تجد حرجا في تبرير القتل أو في غض الطرف عنه.

الأربعة عشر امرأة اللواتي قتلن هذا العام كن جميعا قابلات للحماية لو وجد نظام يقظ، عادل، صارم ولم تكن أي واحدة منهن محكومة بالموت لو كانت هناك إرادة سياسية جريئة تقول "دم النساء خط أحمر"، لكننا لم نسمع هذه العبارة تقال بصدق ما سمعناه هو صمت، تبرير، عبارات جوفاء عن "نقص الإمكانيات"، عن "ثغرات التشريع"، عن "ضرورة التوعية" بينما تواصل الدماء السيلان، فأين هي إذن دولة القانون؟ دولة القانون ليست نصوصا تدون، دولة القانون هي فعل يومي قدرة حقيقية على جعل العدالة سارية فوق كل الاعتبارات وحين تعجز الدولة عن ذلك فهي تترك العنف يحكم النساء وتصبح شريكة صريحة في هذا العنف.

نحن اليوم لسنا أمام جرائم فردية، نحن أمام ظاهرة اجتماعية تنتجها الدولة كما ينتجها المجتمع، فثقافة العنف ضد النساء تغذيها مناهج التعليم ويعيد إنتاجها الخطاب الإعلامي ويشرعنها التراخي القضائي ويرسخها الصمت السياسي، فكل يوم تقتل فيه امرأة هو يوم يهدر فيه ما تبقى من معنى العدل والحق، وحين يُقال "العنف الأسري" يقال وكأن العنف الذي يقع في البيت أقل شأنا من عنف الشارع لكن الحقيقة أن أكثر أشكال العنف فتكا هي تلك التي تقع في الحميمي حيث يجب أن تكون الحماية أمتن، حين تترك النساء دون حماية حتى من أزواجهن فنحن أمام تفكيك خطير لفكرة الأسرة كملاذ آمن والدولة التي لا تملك أدوات حماية فعالة داخل هذا الحيز هي دولة تتواطأ مع العنف بأبشع صوره ولا يجوز بعد اليوم الحديث عن مكافحة العنف ضد النساء بمنطق المناسبات، الحديث يجب أن يكون حديث أولوية وطنية.

قوانين حازمة تطبق بلا استثناء، قضاء خاص معني حصرا بقضايا العنف ضد النساء، أجهزة أمنية مدرّبة على الحماية الفعلية لا على التبرير، مناهج تعليم تعيد تعريف الأدوار الجندرية بعيدا عن هرمية السيطرة وإعلام يكسر الصور النمطية بدل أن يعيد إنتاجها.

وإن ترك النساء يقتلن بهذه الطريقة الممنهجة هو إعلان ضمني بأن حياة النساء ليست ذات قيمة متساوية في هذه البلاد والدولة التي ترضى بهذا الوضع تفقد شرعيتها الأخلاقية قبل القانونية فكل قطرة دم جديدة تراق هي تهمة أخلاقية في عنق كل مسؤول لم يتحرك بما يليق بحجم الكارثة.

فليس السؤال إذن كم امرأة ستقتل بعد؟ بل السؤال الأعمق إلى متى ستظل الدولة تسكت فتشرعن القتل؟ إلى متى ستظل قاعات القضاء تدار بهذا القدر من التراخي في قضايا العنف؟ إلى متى ستظل أجهزة الأمن تتعامل مع التهديدات ضد النساء كبلاغات عادية؟ إلى متى سيبقى الخطاب السياسي عاجزا عن وضع حدّ لهذه البنية القاتلة؟

حياة النساء ليست موضوعا للجدل السياسي، ولا ملفا جانبيا في خطط الدولة، حياتهم ط خط أساس في معنى الدولة ذاتها ودولة لا تحمي النساء هي دولة تعلن إفلاسها الأخلاقي والتاريخ لا يرحم، لذلك كل دم جديد يراق  في كل بيت، في كل شارع، في كل مكان كان يجب أن يكون آمنا هو شاهد إضافي على هذه الشراكة في الجريمة، ولن يكون بوسع أي خطاب تبريري ولا أي تقرير رسمي أن يمحو هذه الحقيقة العارية النساء يقتلن لأن الدولة بمعناها العميق تخلت عنهن.

آخر الأخبار

☀️ حرّ الصيف يتسلل تدريجيًا.. و"الشهيلي" يطرق الأبواب!

☀️ حرّ الصيف يتسلل تدريجيًا.. و"الشهيلي" يطرق الأبواب!

الأسود ينهشون النسور!.. المغرب يُسقط المنتخب الوطني بثنائية في فاس

الأسود ينهشون النسور!.. المغرب يُسقط المنتخب الوطني بثنائية في فاس

صدمة ثلاثية في الأمطار!.. النرويج تُذلّ إيطاليا وتفتتح التصفيات بكارثة للطليان

صدمة ثلاثية في الأمطار!.. النرويج تُذلّ إيطاليا وتفتتح التصفيات بكارثة للطليان

🌟 رافينيا الأفضل في الليغا... وسحر البرازيل يعيد برشلونة إلى القمة!

🌟 رافينيا الأفضل في الليغا... وسحر البرازيل يعيد برشلونة إلى القمة!

🔥 أبو عبيدة يتوعد: "المزيد من التوابيت بانتظار جنود الاحتلال!"

🔥 أبو عبيدة يتوعد: "المزيد من التوابيت بانتظار جنود الاحتلال!"

Please publish modules in offcanvas position.