في قلب جنوب فرنسا، وبين صخور الحجر الجيري، تكشف شبكة كهوف سان مارسيل عن أسرار مذهلة قد تعيد كتابة تاريخ الاستكشاف البشري. فقد عثر العلماء على صواعد كلسية مكسورة ومُرتبة بعناية داخل الكهوف، تعود إلى أكثر من 10 آلاف عام، في دلائل تشير إلى أن البشر الأوائل تجاوزوا المداخل المضيئة للكهوف ودخلوا أعماقها المظلمة والخطرة.
رحلة عبر الظلام منذ آلاف السنين
قاد الاكتشاف فريق عالم الجيومورفولوجيا جان جاك ديلانوي، الذي أكد أن هذه الصواعد المكسورة لم تكن نتيجة تآكل طبيعي، بل كُسرت ورُتبت عمدًا بواسطة البشر. وأوضح الباحثون أن هذه النتائج تحتم على العلماء إعادة النظر في قدرات أسلافنا التقنية والرمزية، خصوصًا قدرتهم على التنقل في ظلام دامس قبل آلاف السنين، دون إضاءة أو معدات حديثة.
تحديات لا تصدق
تتميز كهف سان مارسيل بممراته الزلقة وظلمته شبه الكاملة، ما يجعل التنقل فيه صعبًا حتى بالمعدات الحديثة. ومع ذلك، استطاع البشر القدماء اجتياز هذه المخاطر، مما يطرح أسئلة حول معرفتهم بالكهوف وإتقانهم للإضاءة واستخدامها في أعمق المساحات تحت الأرض.
الكهوف لم تكن كما كنا نعتقد
لطالما اعتقد العلماء أن النشاط البشري في الكهوف كان يقتصر على المناطق القريبة من المدخل حيث الضوء الطبيعي. لكن الاكتشاف الجديد يكشف عن استخدام البشر القدماء لأعماق الكهوف كمساحات رمزية أو طقسية، وربما لأغراض ثقافية وإبداعية.
ألغاز بلا إجابات
لماذا خاض هؤلاء البشر رحلات محفوفة بالمخاطر إلى أعماق الكهوف؟ وما الغاية من ترتيب الصواعد الكلسية المكسورة؟ وفقًا لجاك ديلانوي:
"هذه أسئلة لن نجد لها إجابة، تمامًا كما نجهل سبب رسم البشر على جدران الكهوف في المناطق الأكثر عمقًا. ما زال الكثير من الغموض مدفونًا في أعماق سان مارسيل."
يظل اكتشاف كهوف سان مارسيل نافذة على فصل منسي في تاريخ الإبداع البشري، ويثبت أن أسلافنا الأوائل كانوا أكثر جرأة وذكاءً مما كنا نظن، حيث تركوا وراءهم ألغازًا ستظل تحير العلماء لعقود قادمة.