غيب الموت اليوم الأربعاء الفنان المسرحي التونسي أنور الشعافي، بعد صراع مرير مع المرض، تاركًا خلفه أثرًا لا يُمحى في الذاكرة المسرحية التونسية، وتجربة فنية تُصنّف ضمن الأجرأ والأكثر التزامًا فكريًا وجماليًا.
انطلقت رحلة الشعافي من مدنين سنة 1988، حين كان المسرح المدرسي موطئ قدمه الأول. لكنه سرعان ما تجاوز حدود الهواية ليؤسس فرقة المسرح التجريبي، التي لم تكن مجرد فرقة، بل مشروعًا ثقافيًا وفنيًا متكاملًا، أفرز مهرجانًا وطنيًا أعاد تحريك المشهد الثقافي بالجنوب.
من التجريب إلى القيادة المسرحية
تقلّد الفقيد منصب المدير العام لمؤسسة المسرح الوطني بين 2011 و2014، وهي فترة شهدت حراكًا ثقافيًا لافتًا، كان الشعافي أحد صانعيه، بما عُرف عنه من رؤية ثورية للمسرح، تطمح لكسر النمطية وتحرير الخشبة من حدودها التقليدية.
كما كان أستاذًا وناقدًا، زرع في أجيال من طلبته شغف التجريب، وروح المقاومة الإبداعية، ليواصلوا على خطاه في اختراق المألوف، وفي الحلم بمسرح تونسي يعبّر عن القضايا، ويصطدم بالبديهيات.
المسرح يخسر أحد حرّاسه النبلاء
أنور الشعافي لم يكن فقط مخرجًا، بل كان صوتًا مختلفًا في الساحة المسرحية: لا يرضى بالتصفيق المجاني، ولا يبحث عن الضوء، بل عن الصدمة الفنية التي توقظ الجمهور من غفوته.
برحيله، يفقد المسرح التونسي أحد حرّاسه النبلاء، وأحد أولئك القلائل الذين آمنوا بأن المسرح ليس ترفًا، بل سلاح مقاومة.
رحل الشعافي، لكن صوته لا يزال يتردّد على الخشبة…
"لا تصالح مع الرداءة… ولا ترضَ بالجميل إن لم يكن ثوريًا."