اختر لغتك

حين تتحد الكلمة مع الفعل يعاد صياغة الواجب تجاه الطفولة 

حين تتحد الكلمة مع الفعل يعاد صياغة الواجب تجاه الطفولة 

التأم اليوم 29 أفريل 2025 يوم دراسي جمع بين منظمة "أطباء العالم – تونس" ومنظمة "اليونيسف" ليضع يدا على جرح غائر ظل طويلا يعامل ككدمة عابرة في جلد المجتمع بينما هو في الحقيقة نزيف داخلي دائم العنف ضد الأطفال لاسيما أولئك الذين ولدوا في وضعيات هشة أو سقطوا فيها من دون خيار.

عنوان اللقاء كان بسيطا وواضحا "تأثير العنف على الصحة النفسية للأطفال" ولكن هل يمكن لحبر العنوان أن يختزل وجع التجربة؟ وهل كاف أن نحلل التأثير بينما ما يزال الفعل قائما، مكرسا، متواطأ عليه أحيانا باسم التربية وأحيانا أخرى باسم “الواقع”؟

جاء البرنامج محكم البنية وتدرج في معالجته من التشخيص القانوني إلى التحليل النفسي ومن المسح الميداني إلى المقاربة الإعلامية في محاولة لجمع شتات منظومة الحماية الطفولية، وقد كانت الانطلاقة بمداخلة تأصيلية حول التعريفات القانونية للعنف كما وردت في اتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها بموجب القانون عدد 92 لسنة 1991، ليعيد بذلك المحور الأول ترتيب المشهد المفاهيمي مسلطا الضوء على الفصل 19 من مجلة حماية الطفل (قانون 92 لسنة 1995) الذي يفرض واجب الإشعار القانوني دون أن يخفي الحاضرون واقع الصمت الاجتماعي والإفلات من العقاب وتفاوت مستوى التدخلات بين الجهات.

ثم جاء صوت النفس ليشرح ما لا يرى، إذ تم عرض تأثير العنف على الصحة النفسية استنادا إلى معاينات سريرية ودراسات حالة وثقتها تقارير حماية الطفولة، لتبرز كيف أن الطفولة تتكسر في صمت، تتهشم أمام صراخ متكرر أو صفعة مألوفة أو إهمال مزمن، فكيف يمكن لطفل أن يبني توازنه الداخلي في بيئة تتماهى فيها يد الاسرة او المربي مع يد المعتدي؟ كيف يمكن للسلام الداخلي أن ينمو على أرض تحرثها الخوف والتهديد؟

اللقاء لم يكتفي بوصف الواقع لكنه دعا لمساءلة السياسات، ففي جلسة خاصة قدمت ملامح السياسة الوطنية في حماية الطفولة واستعرضت الاستراتيجيات الرسمية لتفعيل مقتضيات الفصل 47 من الدستور وتطويع الأمر الحكومي عدد 1144 لسنة 2016 من أجل تأمين التدخل الوقائي السريع، ولكن السؤال بقي معلقا هل تملك الجهات الرسمية الإمكانات البشرية واللوجستية التي تؤهلها لترجمة هذا الإطار القانوني إلى حماية فعلية؟ وهل تسند منظومة حماية الطفولة بالأدوات الكفيلة بجعلها درعا وقائيا لا مجرد واجهة قانونية؟

 

وفي سياق متصل طرحت جلسة خاصة حول التربية الإيجابية كبديل للعقاب والعنف ليس فقط من زاوية نفسية لكن كمقاربة حقوقية تحترم كرامة الطفل وتدفع نحو مجتمع مدني متوازن، فالتربية لا تكتفي بتلقين المعرفة ولكن تبني الوجدان وتهذب الغريزة، فهل أعددنا المربين بما يكفي؟ هل نحملهم على كاهلهم عبء "التربية البديلة" دون أن نوفر لهم أدوات التأطير النفسي والتربوي؟

أما الإعلام فقد وجد له مكانا في جدول أعمال هذا اللقاء باعتباره سلطة موازية قادرة على إماطة اللثام عن العنف أو إعادة إنتاجه بصيغة مزينة، فقد تم التطرق إلى المرسوم عدد 116 لسنة 2011 ومدونة أخلاقيات المهنة مع تساؤل واضح حول مدى التزام الإعلام بهذه النصوص حين يتعلق الأمر بطفل في حالة عنف؟ أليس من المفارقة أن نستنكر العنف بينما نعيد عرض تفاصيله بفضول بصري فج قد يضر الطفل أكثر من الفعل ذاته؟

اما الورشة التطبيقية التي أنجزت في ختام اليوم الدراسي لم تكن مجرد تمرين نظري لكنها كانت محطة تدريبية هادفة نقلت الحضور من دائرة التحليل إلى فعل الممارسة، حيث تدرب المشاركون على كيفية التعامل الإعلامي مع قضايا الأطفال من دون خرق للحقوق أو تهديد للخصوصية أو السقوط في الإثارة التي تفضح ولا تحمي.

أليسدل الستار على اللقاء لكن الأسئلة الحقيقية لم تجب بعد، فمازالت تتردد بين الجدران وربما بين أعمدة الصحف وصفحات التقارير ما الذي يمنع تحركا أكثر جدية في مقاومة العنف الموجه للأطفال؟ هل يكفي القانون وحده إن غابت عنه الإرادة الصلبة والموارد الكافية؟ من يحاسب إن قصرت العائلة او المربي؟ من يسند الطفل إن صمت الجميع؟ وهل نملك رفاهية الانتظار بينما الطفولة تتآكل من الداخل؟

كان شعار اللقاء "العنف لا ينفع... ويضر" ولكن الأهم من الشعار هو القدرة على ترجمة هذه القناعة إلى منظومة حماية شاملة لا تتأسس فقط على نصوص القانون لا تطبق اغلبها ولكن على تجذير ثقافة الوقاية والتدخل المبكر والمرافقة المستمرة، فهل تكون هذه المبادرات إشارات يقظة؟ أم تبقى مجرد لحظة مؤقتة من ضمير مجتمعي يريد أن يستفيق لكنه يخشى مواجهة نفسه في المرآة؟

آخر الأخبار

💣 زواج على الورق فقط... 50 ألف دينار تحرم التونسيين من تكوين أسرة!

💣 زواج على الورق فقط... 50 ألف دينار تحرم التونسيين من تكوين أسرة!

لطيفة العرفاوي... تكريم بصوت الوطن ودمعة الاعتراف

لطيفة العرفاوي... تكريم بصوت الوطن ودمعة الاعتراف

حين تتحد الكلمة مع الفعل يعاد صياغة الواجب تجاه الطفولة 

حين تتحد الكلمة مع الفعل يعاد صياغة الواجب تجاه الطفولة 

خطر الإدمان، فوضى الإنترنت... وطفل يعيد كتابة القصة: وزارة الأسرة تشعل معرض الكتاب بورشات حية ونقاشات جريئة!

خطر الإدمان، فوضى الإنترنت... وطفل يعيد كتابة القصة: وزارة الأسرة تشعل معرض الكتاب بورشات حية ونقاشات جريئة!

ثوانٍ من الظلام: أوروبا على حافة العتمة بعد انهيار كهربائي غامض!

ثوانٍ من الظلام: أوروبا على حافة العتمة بعد انهيار كهربائي غامض!

Please publish modules in offcanvas position.