رغم المكانة العالمية التي تحتلها تونس كثاني أكبر منتج لزيت الزيتون، ورغم صابة وُصفت بالاستثنائية قُدّرت بنحو 500 ألف طن لموسم 2025–2026، يعيش القطاع على وقع توتر متصاعد بين فلاحي الزيتون وهياكل الدولة، في مشهد يتكرر مع كل موسم ويكشف هشاشة التوازن داخل منظومة يُفترض أنها من ركائز الاقتصاد الوطني.
وفرة الإنتاج… وأزمة السعر
تمثل غابات الزيتون حوالي 40% من المساحة الجملية للأراضي الفلاحية، ما يجعل هذا القطاع شرياناً حيوياً لعشرات الآلاف من العائلات. غير أن الوفرة هذا الموسم لم تُترجم إلى طمأنينة، بل فجّرت جدلاً حاداً حول السعر المرجعي الذي تأخر الإعلان عنه، ما دفع عدداً من الفلاحين إلى تأجيل الجني أو التريث في توجيه الصابة نحو المعاصر، فيما لجأ آخرون إلى التخزين في انتظار انفراج.
وأعلنت وزارة الفلاحة تحديد السعر المرجعي المتحرك عند 10 دنانير للكيلوغرام على مستوى المعاصر، مع وعود بالتحيين الدوري، معتبرة أن القرار يهدف إلى حماية المنظومة وضمان توازنها. لكن هذا الإعلان لم يهدّئ المخاوف.
الفلاحون: السعر لا يغطي كلفة الإنتاج
نقابة الفلاحين اعتبرت أن السعر المقترح لا يواكب كلفة الإنتاج، محذّرة من انعكاساته السلبية على الموسم الحالي وعلى صابة السنة المقبلة. وطالبت برفعه إلى 14 أو 15 ديناراً، خاصة في ظل سنوات الجفاف المتتالية التي أرهقت غابات الزيتون البعلية، ورفعت كلفة العناية والجني.
كما حذّرت من تداعيات حملة «طيّح الصرّافة» التي تحوّلت إلى أداة ضغط ميدانية، قد تُربك السوق وتزيد من تعقيد الوضع.
صغار الفلاحين خارج الحسابات
من جهتها، شددت رئيسة الغرفة الوطنية لمنتجي الزياتين على أن آلية التخزين لا تخدم صغار الفلاحين الذين يمثلون نحو 75% من المنتجين، مؤكدة أن دور الفلاح يجب أن يقتصر على الإنتاج وتحقيق هامش ربح، فيما تبقى مسؤولية الدعم والترويج وتوفير السيولة على عاتق الدولة.
وأشادت بدعوة رئيس الجمهورية إلى انخراط البنوك في إنجاح الموسم، وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية لترويج زيت الزيتون التونسي عالمياً، معتبرة أن ذلك يتطلب تحركاً فعلياً للسفارات بالخارج.
تحركات رسمية… وسباق مع الزمن
في المقابل، تحرّكت الوزارات المعنية عبر برامج ترويجية وتصديرية، من بينها الترفيع في دعم النقل نحو السوق الأمريكية، وتسريع صرف منح التصدير. كما انطلقت جلسات مشتركة بين وزارتي الفلاحة والسياحة لإدماج زيت الزيتون ضمن المسالك السياحية الفلاحية، وتنظيم مهرجانات وتظاهرات موضوعاتية تعزز إشعاع «الذهب الأخضر».
غير أن عامل الوقت يظل حاسماً، إذ يحذّر مهنيون من أن التأخير في الجني والعصر قد يضر بإنتاجية الشجرة في الموسم المقبل، ويكبّد الفلاحين خسائر إضافية.
معركة الجودة والقدرة التنافسية
وسط اشتداد المنافسة العالمية، يبقى زيت الزيتون التونسي، خاصة البيولوجي، في موقع متقدم من حيث الجودة. لكن الحفاظ على هذه المكانة يتطلب استقراراً في الأسعار، ودعماً حقيقياً للمنتجين، وتنسيقاً فعلياً بين جميع المتدخلين في سلسلة الإنتاج.
بين وفرة الصابة واحتقان الأسعار، يقف موسم زيت الزيتون على مفترق طرق: إما فرصة تاريخية لتعزيز موقع تونس عالمياً، أو أزمة جديدة تُرهق الفلاح وتُهدد استدامة أحد أهم قطاعات البلاد.



