تنطلق من ولاية جندوبة يوم 25 سبتمبر 2025 فعاليات الأيام الجهوية الإعلامية حول خط التمويل 55 (ADAPT)، التي تنظمها كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (كونكت) بالشراكة مع الوكالة الإيطالية للتعاون من أجل التنمية وبدعم من الهياكل الجهوية المختصة وتمثل هذه المبادرة خطوة استراتيجية في مسار التنمية، إذ تهدف إلى التعريف بمزايا التمويل الجديد وشرح إجراءات الانتفاع به فضلا عن تقديم استشارات مباشرة لفائدة المؤسسات الناشئة والصغرى والمتوسطة، وقد اختيرت جندوبة لتكون المحطة الأولى قبل أن تتواصل اللقاءات في سيدي بوزيد والمهدية وصفاقس والقيروان في تجسيد عملي لسياسة الدولة الهادفة إلى دعم الجهات الداخلية التي ظلت لعقود خارج دائرة الاستثمار الفعلي.
وتبرز أهمية جندوبة من خلال رصيدها الفلاحي والبيئي والسياحي الغني فهي من أبرز مناطق إنتاج الحبوب في تونس حيث تمثل أكثر من 12% من الإنتاج الوطني، كما تشتهر بزراعة الزيتون والمنتجات البيولوجية وتحتوي على ثروة غابية هامة تقدّر مساحتها بأكثر من 130 ألف هكتار، علاوة على ذلك تحتضن الجهة مواقع طبيعية وسياحية مثل طبرقة وعين دراهم وهو ما يجعلها مؤهلة لاحتضان مشاريع متنوعة ورغم هذه الإمكانات فإن جندوبة لا تزال تعاني من معدلات بطالة مرتفعة بلغت 21% سنة 2024 في حين لم يتجاوز حجم الاستثمارات الخاصة بها 1.8% من إجمالي الاستثمارات الوطنية حسب معطيات وكالة النهوض بالاستثمار مما يعكس محدودية الاستثمار وغياب مشاريع كبرى قادرة على خلق نقلة نوعية ما يجعل من خط التمويل 55 فرصة تاريخية لإعادة توجيه الاقتصاد الجهوي.
وبالانتقال إلى سيدي بوزيد، التي ستحتضن المحطة الثانية يوم 1 أكتوبر يتضح أنها ولاية ارتبطت برمزية الثورة ومطلب العدالة الاجتماعية وتتميز الجهة بثروة فلاحية ضخمة إذ تساهم بأكثر من 35% من إنتاج الخضر والغلال على المستوى الوطني لكنها تواجه إشكاليات متعلقة بالتسويق والتثمين، ومن هذا المنطلق فإن التمويل الموجه إلى بعث مشاريع تحويلية وتعاونية يمكن أن يغير المعادلة خاصة إذا اقترن بمرافقة تقنية، كما أن دعم مبادرات شبابية في مجال الرقمنة والخدمات الفلاحية الذكية يتناغم مع أهداف المخطط التنموي 2023-2027 الذي ركز على التحول الرقمي كقاطرة للتنمية.
وفي المهدية يوم 21 أكتوبر، سيكون التركيز على الاقتصاد الأزرق والصناعات البحرية حيث تمثل الولاية 40% من صادرات الأسماك التونسية، ومع ذلك فإن ضعف التحديث التكنولوجي وغياب مشاريع تحويلية جعل القطاع هشّا وهنا يأتي خط التمويل 55 ليدعم مبادرات تثمين المنتوج البحري وتطوير الصناعات التحويلية وتحديث أساليب الصيد، وهو توجه يجد سنده في مجلة الاستثمار التي تمنح امتيازات جبائية إضافية للمشاريع ذات القيمة المضافة العالية خاصة في القطاعات المرتبطة بالتنمية المستدامة.
أما صفاقس، التي ستحتضن اللقاء الرابع يوم 22 أكتوبر فهي العاصمة الاقتصادية للبلاد بما توفره من أكثر من 17% من الناتج المحلي الإجمالي، غير أن الجهة تواجه تحديات كبرى تتعلق بالانتقال الطاقي والبيئي حيث أظهرت الدراسات أن أكثر من 65% من مؤسساتها الصناعية بحاجة إلى حلول للتصرف في النفايات والحد من الانبعاثات، وفي هذا السياق يمثل خط التمويل 55 فرصة لدعم مشاريع الطاقة المتجددة وإعادة التدوير والابتكار التكنولوجي وهو ما يتماشى مع القانون الإطاري للانتقال الطاقي عدد 15 لسنة 2015 الذي ألزم المؤسسات العمومية والخاصة بالانخراط في التحول الطاقي.
وتختتم الجولة في القيروان يوم 13 نوفمبر وهي ولاية ذات رصيد حضاري وثقافي عريق لكنها من أكثر الجهات تهميشا من حيث مؤشرات التنمية حيث بلغت نسبة البطالة 26% سنة 2024 وفق المعهد الوطني للإحصاء، كما لم يتجاوز نصيبها من الاستثمارات العمومية 2.3% من الميزانية الوطنية رغم أنها تنتج أكثر من 20% من الرمان التونسي وتشتهر بجودة زيت الزيتون والعسل، وهنا يتيح خط التمويل 55 فرصة لإطلاق مشاريع شبابية في تثمين المنتجات الفلاحية والحرف والصناعات التقليدية، إلى جانب السياحة الثقافية بما يعزز موقع القيروان كقطب تنموي متكامل.
ومن المهم التأكيد أن هذه المبادرة لا تقتصر على التمويل، بل تستند إلى إطار قانوني ومؤسساتي منظم فهي تنسجم مع أحكام القانون عدد 47 لسنة 2019 المتعلق بتحفيز الاستثمار ودفع المبادرة الاقتصادية ومع مجلة الاستثمار التي تمنح حوافز تصل إلى 30% من كلفة المشروع في الجهات ذات الأولوية، كما تتماشى مع مقتضيات الفصل 12 من دستور 2022 الذي نص بوضوح على أن الدولة تعمل على تحقيق التوازن بين الجهات وضمان العدالة التنموية.
ختاما، يعد السعي لإنجاح هذه الجولة الجهوية دليلا على جدية التوجه نحو تنمية عادلة ومتوازنة ورسالة بأن تونس بصدد إعادة رسم خريطتها الاقتصادية على أساس جديد يقوم على الابتكار والشراكة والعدالة، فخط التمويل 55 ليس مجرد آلية مالية لكنه مقاربة شاملة للتنمية تسعى إلى خلق الثروة وتوفير مواطن الشغل وتحويل الجهات الداخلية إلى محركات حقيقية للاقتصاد الوطني.
