حاوره:منصف كريمي
يعدّ الدكتور الصحبي بن منصور وهو أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة، خبيرا في الجماعات المتطرفة وقضايا الإرهاب، تم تعيينه سنة 2015 إبان إحداث الإستراتجية الوطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف في خطة مدير عام إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم (2015-2017) تطويرا للدور الوقائي إزاء انتشار الفكر المتطرف ثم تم تعيينه لاحقا في إطار مواصلة جهود مقاومة التطرف العنيف مستشارا (2019-2020)،تولى منذ سنتين (2023)التنسيق العام لندوة دولية احتضنها نزل أفريكا بالعاصمة حول موضوع "الإرهاب وسُبل مكافحته في عصر العولمة" نظمتها جامعة الزيتونة وشاركت فيها عديد الوزارات والجامعات والمنظمات من تونس وخارجها.
وفي إطار تنامي الحديث عن مخاوف عودة التهديدات الإرهابية في الوطن العربي لتلهية أنظار العالم عن جرائم الإبادة في غزة سعدنا بلقائه في هذا الحوار والسجال الفكري الهادف
واذ نشكره على تلبية الدعوة لهذا المجلس الحواري الفكري فاننا نعتقد ان اهم سؤال جوهري يمكن الانطلاق منه وتوجيهه لضيفنا يتعلق بمعرفة الجذور الأساسية لظاهرة التطرف العنيف في العالم العربي والإسلامي
وقد اجابنا ضيفنا بعد التحية والشكر على الاستضافة ليفيدنا أن ظاهرة التطرف العنيف لها جذور متعددة، ليست فقط دينية كما يُروَّج، بل أيضًا اجتماعية، اقتصادية، وسياسية. هناك شعور بالإقصاء، غياب العدالة الاجتماعية، وتهميش فئات واسعة من الشباب. وعندما يقترن هذا بالجهل الديني والتأويلات المتشددة للنصوص، تتكوَّن بيئة خصبة لولادة الفكر المتطرف.
ولكن هل يعتقد ضيفنا أن الخطاب الديني الحالي في مؤسساتنا الدينية يساعد على التصدي لهذه الظواهر، أم أنه ما زال يحتاج إلى مراجعة عميقة؟
وفي اجابته افادنا ان الخطاب الديني، في جزء كبير منه، ما زال تقليديًا، يُعيد إنتاج مفاهيم قديمة دون مراعاة لمتغيّرات الواقع. نحن بحاجة إلى إصلاح حقيقي للخطاب الديني، يُعلي من قيم العقلانية والتسامح، ويُحرّر النص من القراءة الحرفية الجامدة. كما يجب على المؤسسات الدينية في كل أنحاء العالم الإسلامي أن تستعيد دورها في تحصين المجتمع، لا الاكتفاء بدور الوعظ التقليدي، وهي تجتهد في تونس لكن ما زال مسار التطوير طويلا بحكم تعقد العصر وتسارع تحولاته.
وعن سؤال توجهنا له به عن مدى قدرة السياسات الأمنية التي تعتمدها بعض الدول على مكافحة الإرهاب؟ أفادنا ان"السياسات الأمنية ضرورية بلا شك، لكنها غير كافية.فالإرهاب لا يُهزم فقط بالرصاص، بل أيضًا بالفكر. كما ان هناك ضرورة لسياسات وقائية من خلال تعليم جيد وفرص شغل للشباب و إعلام واعٍ وخطاب ديني مستنير. و إذا لم تُعالج الأسباب البنيوية، فسنظل ندور في حلقة مفرغة"
واجابة عن سؤالنا حول امكانية وجود "صناعة" فعلية للإرهاب في العالم المعاصر؟أكّد محدثنا ذلك معتبر ان الإرهاب لم يعد مجرد فعل عنيف عشوائي أو ناتج عن اضطرابات داخلية فحسب، بل أصبح أداة سياسية تُدار بعناية في كثير من الحالات. هناك غرف تفكير، أجهزة استخبارات، ومصالح جيوسياسية تغذي هذه الظاهرة. الإرهاب، في كثير من الأوقات، يُستثمر لخلق حالة من الفوضى، لإعادة تشكيل خريطة معينة، أو لتبرير تدخلات عسكرية واقتصادية في منطقة ما.
وفي خضم ما سبق ذكره تساءلنا" لماذا يُقحم الإسلام تحديدًا في هذا المشهد؟ لماذا يُربط الإرهاب بالإسلام دون غيره من الديانات أو الأيديولوجيات؟"فأجابنا قائلا"لأن الإسلام دين عالمي، يملك امتدادًا بشريًا وجغرافيًا هائلًا، ويؤثر في حياة مئات الملايين من الناس. منذ نهاية الحرب الباردة، احتاجت القوى الكبرى إلى "عدو بديل" بعد سقوط الشيوعية. فكان الإسلام، أو ما سُمي بـ"الإسلام الراديكالي"، هو المرشح المثالي. ليس فقط بسبب ما يمثله من تحدٍ ثقافي وحضاري، بل لأن تصويره كخطر دائم يسمح بتغذية صناعة السلاح، وتبرير الاحتلالات، وفرض الهيمنة. إنها ببساطة حرب ناعمة بواجهة دينية"
وعن العلاقة بين رفع بعض شعارات إسلامية من قبل الجماعات خلال تنفيذها لأعمال إرهابية ومدى علاقة هذا التصرف للفهم الخاطئ لمقاصد النص الديني وروحه أو لغياب التطبيق الصحيح للعقيدة قال محدثنا "طبعا، هنالك منطق سطحي وخطير اذ ليس كل من يرفع راية الإسلام يمثله. كما أن النصوص تُفسر ضمن سياقاتها التاريخية والمعرفية فلو كانت المشكلة في الإسلام نفسه، لكان المسلمون في كل العالم إرهابيين ولكننا نعلم أن الغالبية العظمى من المسلمين يعيشون في سلام، بل هم ضحايا الإرهاب، هناك استغلال ممنهج للنصوص من قبل جماعات متطرفة، وأحيانًا بدعم استخباراتي، لتشويه صورة الإسلام ولزرع الفتنة داخل المجتمعات الإسلامية"
ومن هذا المنطلق من البديهي التساؤل عن دور الإعلام الغربي والعربي في تضخيم هذا الربط بين الإسلام والإرهاب؟
وهنا قال ضيفنا"بلا شك. الإعلام يلعب دورًا مركزيًا في تشكيل الوعي الجمعي اد انه هناك تغطيات انتقائية ومصطلحات تُستخدم بعناية من ذلك انه حين يرتكب مجرم غير مسلم جريمة، يُوصف بـ"المضطرب نفسيًا"، بينما يوصف المسلم مباشرة بـ"الإرهابي" ليتأكد ان الإعلام يكرر هذه الصور النمطية حتى تُصبح "حقيقة" في أذهان الناس كما ان هناك أيضًا إعلام عربي يكرر نفس الخطاب الاستعماري، إمّا بسبب التبعية أو بسبب العجز الفكري أو عن غير قصد في إطار التفاعل مع الأخبار الرائجة تحت مسمى مواكبة مجريات الأحداث والقضايا الراهنة".
من هنا بات السؤال مؤكدا حول المطلوب حسب رأي ضيفنا من النخب الإسلامية اليوم لمواجهة هذا الخطاب؟ وفي هذا الاطار افادنا الدكتور الصحبي بن منصور ان المطلوب هو خطاب نقدي عميق، لا دفاعي ولا تبريري ليؤكّد" نحن بحاجة إلى تفكيك الظاهرة من جذورها السياسية والاقتصادية والمعرفية كما نحتاج إلى مراجعة الخطاب الديني التقليدي، وتجديد الفقه بما يتلاءم مع معطيات العصر" اذ لا بد حسب رأيه "من العودة إلى جوهر الإسلام كدين رحمة وعدالة، ورفض اختطافه من قبل من يتاجرون به، سواء كانوا جماعات متطرفة أو أنظمة تسلطية"
كما كان اللقاء مناسبة لنتحدث عن دور المثقف من وجهة نظر ضيفنا في مواجهة الفكر المتطرف؟ وفي هذا الاطار أكّد الدكتور الصحبي بن منصور ان المثقف الحقيقي يجب أن يكون في الصفوف الأمامية وعليه أن يفضح التلاعب بالدين، وأن يكون صوته حرًّا، ناقدًا، مستنيرًا. المثقف لا يجب أن يكتفي بالتحليل الأكاديمي، بل أن ينخرط في الشأن العام، ويُساهم في تفكيك الخطابات التي تُغذّي العنف، سواء أتت من جهات دينية أو سياسية.
وفي خاتمة اللقاء التمسنا من ضيفنا توجيه رسالة للشباب، خاصة أولئك الذين قد يجدون أنفسهم عرضة للتأثر بالأفكار المتطرفة؟ فجاء رسالته وخطابهم لهم محفزة قائلا"لا تُسلّم عقلك لأحد. اقرأ، فكّر، ناقش، واطلب الدليل. الإسلام دين رحمة، لا دين قتل. لا تجعلوا من غضبكم على الأوضاع الاجتماعية أو السياسية بابًا يُدخل إليكم دعاة الموت. الوطن يحتاجكم أحياء، بنّائين، لا أدوات للهدم."وأضاف"علينا جميعًا مسؤولية الوعي، بأن معركة اليوم ليست فقط مع الإرهاب، بل مع مَن يصنعه ويروجه ويستغله"

الدكتور الصحبي بن منصور لـ"توانسة": معركة اليوم ليست فقط مع الإرهاب بل مع مَن يصنعه ويروّجه ويستغلّه
- منصف كريمي
- الزيارات: 61