حوار عزيز بن جميع
أنا لم ألهث يومًا وراء الكاميرا... بل جاءتني لأنني كنت صادقة مع نفسي ومع الناس
الهجرة قرار يحتاج إلى عقل لا إحباط... وإلا فهي صدمة معلّقة
الضحك دواء، والابتسامة فعل مقاومة
الرجل الحالم يمنحني أجنحة... لكن الواقعي يُشعرني بالأمان
في لقاء خاص جمعنا بها، كانت الطبيبة النفسانية و الوجه التلفزي الجديد الجميل الدكتورة مرام، الزمرلي متألقة كما عهدناها، صادقة في تعبيرها، عميقة في تحليلها، وأنيقة في حضورها الداخلي والخارجي. بين اشتغالها في عالم طب النفس وتحليلها النفسي في البرامج التلفزية والإذاعية، التقيناها لنحاورها في مواضيع متعددة، من الإعلام إلى الأدب، ومن النفس إلى الحب.
■ حضورك اللافت في الإعلام... هل هو ثمرة تلقائية أم تخطيط دقيق؟
كلا الأمرين. أؤمن بالتلقائية المدروسة. أنا لا أسعى خلف الأضواء، ولم ألهث يومًا وراء الكاميرا. أنا طبيبة نفسية متحصلة على شهائد عليا، ومنذ طفولتي كان علم النفس هاجسي وشغفي. أشكر الله على نعمة القبول التي أراها في تفاعل الناس معي. ما أقدمه هو ثمرة عشق للمهنة، ومجهود لتحويل المعرفة الأكاديمية إلى محتوى بسيط وإنساني يفهمه الناس ويشعرون به.
■ هل ترين أن الإعلام التونسي يُعطي علم النفس مكانته اليوم؟
هناك تحسن واضح. نعم، لا تزال المساحات المخصصة لعلم النفس قليلة، لكن بدأت الأمور تتغير. الأطباء الأكفاء يفرضون أنفسهم، وهناك وعي أكبر لدى القنوات والمستمعين بأهمية التوازن النفسي. بعد كل مشاركة إعلامية، تصلني رسائل امتنان وتشجيع تجعلني أستشعر قيمة ما أقدمه.
■ لاحظنا في معرض الكتاب غيابًا لكتب علم النفس التونسية... ما السبب مقابل غزو كتب النفس المصرية ما السبب ؟
أعتقد أن جزءًا من المشكل يعود إلى غياب التواصل الفعّال بين الأطباء ودور النشر. كما أن بعض الأطباء منشغلون بالجانب العلاجي والجامعي، ما يجعلهم يتأخرون في النشر. لكنني متأكدة من أن لدينا كفاءات علمية مذهلة قادرة على الإبداع في هذا المجال لو وجدت الدعم الكافي من الدولة، ومن الناشرين أنفسهم. أحترم التجربة المصرية كثيرًا، ولكل مدرسة أسلوبها وسياقها. رغم اني لست حقا المؤهلة الابرز لاقيم عملية النشر .
■ في فصل الصيف، تزداد الضغوط النفسية على الناس... ما نصيحتك؟
الصيف ليس مبررًا للفوضى النفسية. الوقاية تكمن في المحافظة على نظام يومي متوازن، كما في الشتاء: النوم في وقته، الأكل الصحي، المشي، وتجنب الإجهاد الاجتماعي في المناسبات. لا يجب أن نحول الصيف إلى فترة انفلات، بل إلى فرصة للراحة المنظمة، والتجدد الداخلي.
■ وظاهرة "الحرقة"... هل هي نفسية بالأساس؟
إلى حدٍّ كبير، نعم. القرارات الانفعالية في لحظات الإحباط تؤدي إلى الهروب غير المحسوب. الهجرة يمكن أن تكون حلاً، لكنها بحاجة إلى عقل، لا إلى يأس. حين يغيب التفكير المتوازن، يصبح الحلم صدمة مؤجلة. العودة من تجربة فاشلة في الخارج قد تكون أكثر قسوة من كل ما سبق.
■ على المستوى الشخصي، تُعرفين بالأناقة والظهور الراقي... ما السر؟
لا أعتبر نفسي مهووسة بالتزيين، ولا أقضي وقتًا طويلًا أمام المرآة. كل حدث أعطيه وقته حسب أهميته. أؤمن بالجاذبية أكثر من الجمال... إنها مزيج من الروح، والثقة، والذوق. الجمال سهل، أما الحضور فهو رسالة.
■ هل تفكرين في تقديم برنامج خاص بك مستقبلًا؟
لا أمانع، لكني مرتاحة جدًا في دوري كمحللة نفسية. أفضّل التعمق أكثر في الجانب العلمي والعمل على صورة متكاملة تجمع بين البعد الأكاديمي والإنساني، على أن أتحول إلى "مقدمة برامج". ما يهمني هو المضمون، لا الشكل. لكن في مرحلة اخرى ربما
■ هل الابتسامة حقًا علاج؟
نعم، وهذا مثبت علميًا. الضحك، والابتسامة، والتفاؤل... كلها عناصر تفرز هرمونات سعادة حقيقية في الدماغ. أحيانًا، كلمة دافئة أو بسمة صادقة تفتح بابًا مغلقًا داخل إنسان محطم. لذلك أعتبرها من أبسط أشكال العلاج النفسي.
■ برأيك، هل ظهورك نفسه جزء من العلاج النفسي؟
قد يكون. الروح الخفيفة، الطريقة في التواصل، اللغة القريبة... كلها عناصر تسهم في خلق شعور بالراحة لدى المشاهد أو المستمع. أترك الحكم للجمهور، لكنني أحاول أن أكون قريبة، دون تصنّع.
■ ماذا عن الأدب؟ وهل للعقل العلمي مكان بين الكلمات؟
أنا مولعة بالأدب. أقرأ بالفرنسية والإنجليزية والعربية رغم ضيق وقتي، لأن القراءة تغذّي الجانب الإنساني فيّ. علم النفس نفسه فيه بعد أدبي وفني. لا أستطيع الفصل بين العلم والروح، بين العقل والحس.
■ دعينا نلج إلى العاطفة... من الأقرب إلى قلبك: الرجل الحالم أم الواقعي؟
أعشق الرجل الحالم، فهو يمنحني أجنحة ويكسر رتابة الحياة، لكن في الوقت نفسه أحتاج إلى الواقعية لأشعر بالأمان والاستقرار. المزيج هو الأفضل. لا شيء أجمل من عقل يوازن بين الحلم والواقع.
■ الحب أم المال؟
الحب، طبعًا. الحب العائلي في الطفولة والحب العاطفي في النضج لا يعوّضهما مال. قد أبدو عقلانية وأحب الذوق والترف، لكن العواطف الصادقة لا تقدر بثمن.
■ من تُفضّلين: من يهديك قصيدة أم من يجعل حياته معك قصيدة؟
الاثنان جميلان. لكن الأجمل أن تكون العلاقة اليومية قصيدة بأفعاله. رغم ذلك، لا أنكر أنني، كأنثى، أحب سماع الكلام الجميل، وأضعف أمام غزل صادق.
■ الأسود... هل يليق بك كما قالت أحلام مستغانمي؟
إذا قلت لي ذلك، فاحترم ذوقك. الأسود لون راقٍ، له وقته ومزاجه. أنا لا أختار الألوان عشوائيًا... بل حسب الحالة النفسية والمقام.
■ وهل فعلاً "أقوى قصص الحب لا تدوم سوى 5 دقائق" كما يقول نزار قباني؟
تعبير جميل، لكنه مجازي. علميًا، فترة الشغف والحماس تدوم نحو 6 أشهر، ثم تبدأ المرحلة الحقيقية للعلاقة: التعلّق، التقدير، والوفاء.
■ هل قد نراك ممثلة أو فنانة يومًا ما؟
لمَ لا؟ قمت ببعض التمارين المسرحية، وأحب المسرح كتكوين ذاتي، لا كشهرة. إذا وُجد العمل الذي يحترم عقلي وذوقي، قد أقبله.
■ تفضلين قول نزار قباني انا يا صديقتي متعب من عروبتي ام قول الشافعي سلام على الدنيا اذا لم يكن بها صديق صدوق ؟
الصداقة شعور سامي و راقي اؤمن به للنخاع و العروبة هوية و اصالة.
كلا الشاعران عبقريان و كلا القيمتان روعة.
ما اجمل القيم الانسانية النبيلة و العواطف الجياشة حين تكون و صادقة و من الصميم
مرام ليست فقط طبيبة نفسية تُتقن فن الإصغاء والتشخيص، بل هي امرأة تحمل في حضورها مزيجًا نادرًا من العلم والرقيّ الإنساني. في زمن طغت فيه الضوضاء على المعنى، تعبر مرام إلى قلوب الناس بخفّة العالم وحنان الإنسان. ليست مجرد وجه تلفزي، بل صوت داخليّ هادئ يُذكّرنا بأن فهم النفس ليس ترفًا، بل ضرورة. تلامس بأحاديثها أوتارًا منسية، وتُضيء مساحات ظلّ داخل كلّ منّا، بلا ضجيج ولا استعراض.
وجودها على الشاشة ليس فقط لحظة إعلامية عابرة، بل هو لحظة شفاء خفية. حضورها بلسمٌ يسبق التشخيص، ورسالة دفء تنساب بين الكلمات، تجعلنا نُدرك أن الطبّ النفسي لا يُمارَس فقط في العيادات، بل يُمكن أن يُعاش جمالًا، وأن يُقدَّم كفنّ، بل كحبّ. مرام، ببساطة، ليست طبيبة فقط… بل ضوء.