اختر لغتك

اليوم التعريفي لمشروع "مهارات الابتكار 

اليوم التعريفي لمشروع "مهارات الابتكار" 

في ظل التحولات البنيوية المتسارعة التي يشهدها العالم لم تعد مقاربات التعليم والتكوين تقاس بمدى قدرتها على تلقين المعرفة أو نقل المهارات بشكل تقني ومباشر لكنه أصبح من الضروري فهمها كمنظومات متداخلة تتطلب إعادة تشكيل عميق لمفاهيم التعليم وتوسيع أفق التعلّم ليشمل العلاقات الجدلية بين المعرفة والتقنية، بين المحلي والعالمي، بين الحاجة والإمكان وضمن هذا السياق نظمت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) يوم الأربعاء 25 جوان 2025 بمقرها الرسمي بتونس اليوم التعريفي لمشروع "مهارات الابتكار – Skills for Innovation (SFI)" بالتعاون مع عدد من الشركاء الدوليين من أبرزهم إنتل (Intel)، كلاسيرا (Classera)، PIK، وMillenniumEDU.

وقد شكل هذا اليوم أكثر من مجرد تظاهرة مؤسساتية أو بروتوكولية إذ انبثق منه مسار تفكير جماعي حول أسئلة مركزية تمسّ جوهر النظام التربوي العربي لا من حيث بنيته المادية فحسب ولكن من حيث دوره في إعادة صياغة الإنسان العربي كذات فاعلة ومبتكرة، فالتحول الرقمي الذي طالما قدم كغاية قائمة بذاتها لم يطرح هذه المرة كأداة جاهزة بل كوسيلة تعيد فتح النقاش حول جدوى المعرفة وشروط إنتاجها ومكانة المعلم والمتعلم في علاقتها.

وإذا كانت الكلمات الافتتاحية قد أبرزت ملامح هذه الرؤية الجديدة، فإن التوجه العام الذي طبع مختلف الجلسات تمثل في القطع مع الطرح الخطي للتحديث والانخراط في تصور يتبنى التمكين كمسار تراكمي ينبع من الواقع ويشتبك معه لا يتجاوزه ولا يستورده، وقد تم التأكيد على أن أي إصلاح لا ينبثق من داخل المنظومة ويأخذ بعين الاعتبار التفاوتات الجغرافية والاجتماعية سيظل سطحيا مهما بدا متطورا من حيث الشكل أو الوسائل.

وفي هذا السياق، قدمت شركة Intel عرضا محوريا حول جوهر مبادرة Skills For Innovation مبينة كيف يمكن أن تتحول الفصول الدراسية من أماكن تلقين إلى مختبرات للإبداع ومن فضاءات صامتة إلى بيئات تفاعلية تشجع على بناء المهارات الأساسية للقرن الحادي والعشرين، ولم تكن التقنية هنا هي المركز بل الإنسان فكل عرض تقني خال من تصور تربوي متجذر في السياق المحلي يظل محكوما بالتكرار والتبعية.

هذا وتواصلت إثر ذلك سلسلة من المداخلات النوعية حيث قدمت Classera حلولا ذكية للتعليم الرقمي تدمج الذكاء الاصطناعي بتجربة التعلم التفاعلي، بينما عرضت PIK أدوات تربوية مبتكرة تسعى إلى إعادة بناء العلاقة بين المتعلم والمعلومة عبر مقاربات متعددة الوسائط، فيما طرحت MillenniumEDU تصورا قائما على استهداف المناطق المهمشة مؤكدة أن التكنولوجيا لا تكتسب معناها إلا حين تكون في خدمة العدالة المعرفية.

ومن اللافت أن هذه العروض ورغم تنوع خلفياتها ومقارباتها تلاقت في نقطة محورية حول ضرورة تكييف الحلول التكنولوجية لا وفق نموذج جاهز بل ضمن رؤية مرنة تستجيب للتحديات الفعلية وتعيد تعريف دور المؤسسات التعليمية من جديد، وقد مكن هذا التمشي من تحرير النقاش من ثنائية "الحداثة/التقليد" نحو منظور عملي يسائل القيم التي تبنى عليها الممارسات التعليمية اليومية.

ولعل أبرز محطات اليوم تمثلت في الجلسة التي خصصت لاستعراض تجارب فعلية من الميدان حيث نقل عدد من المعلمين والمؤطرين المشاركين في النسخة الأولى من البرنامج تجاربهم الواقعية وقد كشفت مداخلاتهم عن مدى تأثير البرنامج في تحريك البنى التربوية الراكدة وتحفيز الفاعلين على تبني مناهج جديدة انطلاقا من القسم ذاته لا من المقررات أو التعليمات المركزية، هكذا تحولت الشهادات من مجرد تقارير إلى صدى داخلي يعيد رسم ملامح المعلم كمحور مركزي في دينامية التغيير.

وجاء الإعلان عن مسابقة "المعلم المبتكر 2025 – The Innovative Teacher" ليجسد هذا المعنى حيث لم تطرح كوسام شكلي لكن كأداة رمزية وعملية لإعادة الاعتبار للوظيفة التربوية في عمقها المهني والوجداني،  وقد انطلقت هذه المبادرة من قناعة بأن التغيير يبدأ من الداخل وأن الاعتراف بالمربي لا يجب أن يكون لحظة استثنائية بل مسارا مستمرا من التقدير والتكوين والتحفيز.

وقد توجت الفعالية بتوقيع مذكرات تفاهم جديدة تهدف إلى توسيع دائرة المبادرة وضمان انخراط عدد أكبر من المؤسسات والدول في البرنامج وهو ما يعكس إرادة جماعية لتأسيس مشروع تعليمي عربي مشترك، لا على قاعدة التشابه بل على أساس التقاطع في الهموم وتكامل التجارب.

ومن المهم الإشارة إلى أن ما ميز هذا اليوم لم يكن فقط ثراء المضامين أو تنوّع المتدخلين بل مستوى الوعي الجماعي بأن الابتكار التربوي لا يبنى في مراكز القرار فحسب لكنه يتأسس من القاعدة، من التمرين اليومي على التعلم، من قدرة المربي على الصبر، والإنصات، وإعادة إنتاج أدواته باستمرار وذلك فإن ما بدأ اليوم لا يجب أن يختزل في سياقه المؤقت إنما أن يفهم كبداية مسار يتطلب نفسا طويلا ورؤية متعددة الأبعاد تنظر إلى التعليم كحق وكفضاء تحول وكأداة سيادية لا تقاس بنتائج ظرفية ولكن بعمق الأثر الذي تخلفه في وعي الأفراد والمجتمعات.

ومن هنا، يتجلى السؤال الأكثر إلحاحا ذلك الذي لا يطرح على المؤسسات وحدها لكن علينا جميعا كيف نعلم حين لا تكون المعرفة جاهزة؟ كيف نبني الإنسان حين تتنازعنا الأدوات وتشتتنا النماذج؟ سؤال مفتوح لا يجاب عنه بخطاب ولا بندوة ولكن بفعل يومي صامت، متراكم، صبور، يصنع التغيير من الداخل ويعيد للمعرفة قدرتها على التمكين والتحرر في آن.

آخر الأخبار

اليوم التعريفي لمشروع "مهارات الابتكار 

اليوم التعريفي لمشروع "مهارات الابتكار" 

رغم العروض المغرية... أحمد الغربي يختار الوفاء لأولمبيك المكنين!

رغم العروض المغرية... أحمد الغربي يختار الوفاء لأولمبيك المكنين!

🎬 "فراغ" لفدوى المنصوري... فيلمٌ قصير بصوت أمٍّ لم يعد يُسمع

🎬 "فراغ" لفدوى المنصوري... فيلمٌ قصير بصوت أمٍّ لم يعد يُسمع

محكمة الاستئناف تُخفف الحكم ضد وديع الجريء: 3 سنوات بدلًا من 4!

محكمة الاستئناف تُخفف الحكم ضد وديع الجريء: 3 سنوات بدلًا من 4!

تونس تحتفل باليوم العالمي لرجال البحر 25 جوان 2025: "سفينتي خالية من التّحرّش" شعار التوعية والأمان في الموانئ التونسية

تونس تحتفل باليوم العالمي لرجال البحر 25 جوان 2025: "سفينتي خالية من التّحرّش" شعار التوعية والأمان في الموانئ التونسية

Please publish modules in offcanvas position.