تتنوع مظاهر الإعجاز في القرآن الكريم، فهو كتاب يحتوي على عجائب لا تنضب، ومن أبرز هذه العجائب الإعجاز البياني الذي يتجلى في بنيته اللغوية الدقيقة، ومن أمثلة تلك العجائب آية مذهلة وفريدة في سورة الفتح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم"، وفي هذا السياق، يأتي إلينا الإعجاز البياني في آية الفتح ليشهد لنا بعظمة كلمات الله.
تقع هذه الآية في سورة الفتح الكريمة، وهي الآية رقم 29، حيث تتوسط السورة بين السورتين المدنيتين، ونزلت بعد صلح الحديبية، وما يميزها هو تجميع الحروف الهجائية العربية كلها في نهاية السورة، مما يجعلها رمزًا للإعجاز البياني في القرآن الكريم.
الآية تبدأ بـ"محمد رسول الله"، وتستمر في سرد صفات المؤمنين الذين يرافقون النبي صلى الله عليه وسلم، وفي نهاية الآية يأتي التجميع الرائع للحروف الهجائية حيث يقال: "فِي وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ".
هذا التجميع العجيب يظهر في كلمة "مِّنْ"، حيث تجمع الحروف الهجائية المتبقية بعد ذلك، ويبدأ بالحرف "أ" وينتهي بالحرف "ه"، مما يجسد تكامل البناء اللغوي والتناغم في الكلمة.
هذه العجيبة اللغوية لا تأتي بالصدفة، بل هي من بين مئات العجائب التي تحتويها كلمات الله في كتابه العظيم، وتعكس عظمة الله تعالى في تنسيق الكلمات وترتيبها لتصل إلى قلوب المؤمنين بكل يسر وسهولة.
لذا، فإن القرآن الكريم يظل لغزًا لا ينضب، ومصدر إعجاز يبهر العقول، ويجسد في كلماته الجمال البياني والهندسة اللغوية التي لا تضاهى، مؤكدًا على أنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما قال الله تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا".
فلنستمع إلى كلمات الله ونتأمل في عظمتها وجمالها، ولنحاول فهم معانيها والتأمل في عجائبها، فهي ليست مجرد كلمات، بل هي هدى ونور يهتدي بها المؤمنون، وشفاء ورحمة يستندون عليها في حياتهم.
