تشكل ظاهرة الإدمان في تونس تحديا متصاعدا يطال الصحة العامة والنسيج الاجتماعي والاستقرار الأسري مما يستدعي تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني والقطاع الأكاديمي والإعلامي، وقد انعقدت ندوة وطنية للتوعية والتحسيس تحت شعار “التصدي للإدمان والحد من مخاطره مسؤولية مشتركة” بهدف دراسة الظاهرة من منظور شامل يجمع بين البعدين القانوني والطبي والاجتماعي وتقديم حلول استراتيجية قائمة على الوقائع والإحصائيات الرسمية.
وقد نظمت الندوة الوطنية من قبل المنظمة بالتعاون بين وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن والمنظمة التونسية للتربية والأسرة والجامعة المركزية وذلك في المدرسة المركزية العليا الخاصة لإدارة الأعمال بالعاصمة تقديرا لدعم المجتمع المدني وتشجيع المبادرات الوطنية في مواجهة هذه الظاهرة.
هذل وتشير المعطيات الرسمية إلى أن نحو 25% من التونسيين يعانون من مشاكل مرتبطة بالإدمان بينما تظهر الفئة العمرية 15‑17 سنة ارتفاعا ملموسا في استهلاك القنب الهندي حيث تضاعف من 1.5% إلى 8% إلى جانب ارتفاع استهلاك الحبوب المنشطة بشكل ملحوظ، وعلى الرغم من هذه الأرقام لا تزال البنية العلاجية محدودة إذ يوجد فقط 5 مراكز متخصصة في علاج الإدمان وتبلغ تكلفة الإيواء في بعض المرافق الخاصة نحو 900 دينار شهريا مقابل 10 دنانير يوميًا في المرافق العامة ما يعكس صعوبة الوصول إلى العلاج بالنسبة لشريحة واسعة من المتعاطين.
ومن الجانب الطبي، تم التشديد على المخاطر الصحية الخطيرة للإدمان والتي تشمل التأثيرات العصبية والنفسية والسلوكية إضافة إلى الأضرار الاجتماعية والمهنية للفرد، وأكد الخبراء أن الوقاية المبكرة داخل المدارس والجامعات ومراكز التكوين المهني تعد الأداة الأكثر فعالية إلى جانب رصد السلوكيات الخطرة والتدخل الفوري لتجنب الانتكاسات.
أما البعد الاجتماعي، فقد ركز المشاركون على أن الإدمان ليس حالة فردية بل نتيجة تفاعل معقد بين الضغوط الأسرية والاقتصادية والثقافية الأمر الذي يستدعي تعزيز برامج المرافقة النفسية والاجتماعية للمتعافين وتطوير بيئات تعليمية ومهنية صحية تمنح الشباب بدائل إيجابية تبعدهم عن الانحراف.
كذا يؤكد القانون التونسي وبالأخص القانون رقم 52 لسنة 1992 يجرم الاستهلاك وحيازة المخدرات ويفرض عقوبات تتراوح بين سنة وس خمس سنوات مع غرامات مالية تتراوح بين 1,000 و3,000 دينار في حالات الحيازة الفردية بينما تصل العقوبات على الترويج والاتجار إلى 6‑10 سنوات سجن وغرامات أكبر وقد تصل إلى 20 سنة في حالات التهريب الدولي، ومع ذلك أشار النقاش القانوني إلى أن هذا الإطار الزجري ساهم في ارتفاع اكتظاظ السجون دون معالجة البعد الصحي للمدمنين ما دفع الخبراء إلى الدعوة لتعديل القانون لمنح المستهلكين مسارات علاجية بديلة وتوسيع صلاحيات القضاة لتطبيق عقوبات مرنة مع الحفاظ على صرامة العقاب تجاه شبكات الترويج والاتجار.
كما شددت الندوة على الدور المحوري للإعلام في رفع الوعي المجتمعي داعية إلى خطاب مسؤول يقدم معلومات دقيقة ويعزز ثقافة الوقاية دون تهويل أو تطبيع للظاهرة، وتم تأكيد أيضا على ضرورة إدراج برامج توعية علمية داخل المؤسسات التربوية والتكوينية وتدريب المكونين على آليات الرصد والتدخل المبكر.
لتختتم الندوة بمجموعة توصيات استراتيجية تشمل أساسا إصلاح القانون 52 لتحقيق التوازن بين الزجر والعلاج، توسيع شبكة المراكز العلاجية، اعتماد الإدمان كمرض ضمن النظام الصحي الوطني، تعزيز برامج الوقاية داخل المدارس والمعاهد، دعم إعادة الإدماج الاجتماعي للمتعافين وتأسيس آلية متابعة وتقييم مستمرة لقياس أثر السياسات على المدى الطويل.
هذا ويبين المسار الذي طرح أن التصدي للإدمان في تونس يتطلب مقاربة وطنية متكاملة تجمع بين الإصلاح القانوني، التدابير الصحية، السياسات الاجتماعية، التوعية التربوية ودور الإعلام المسؤول لضمان حماية الشباب واستقرار المجتمع وبناء مستقبل أكثر صحة وأمانا.
