✍️ بقلم: عبد الحفيظ حساينية
تشهد تونس خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في ظاهرة انتشار المخدرات والأقراص المهلوسة، حتى تحولت إلى آفة تضرب المنظومة التربوية في العمق. لم تعد السموم حكرًا على الشوارع والملاهي الليلية، بل تسرّبت إلى المدارس والمعاهد، حيث صار الفضاء التربوي نفسه ساحة مفتوحة أمام “تجار الوعي” الذين يستهدفون المراهقين في عمر الزهور.
⚠️ البكتاغون... الوافد الجديد من تركيا عبر ليبيا
في تطوّر مقلق، تؤكد تقارير أمنية متطابقة أن حبوب “البكتاغون” — المعروفة بتأثيرها الشديد والمسبب لنوبات هوس وعدوانية — بدأت تجد طريقها إلى السوق التونسية.
وتفيد المعطيات بأن هذه الأقراص تُهرّب أساسًا من تركيا مرورًا بليبيا، ثم تدخل الأراضي التونسية عبر المعابر الجنوبية بطرق غير شرعية، مستفيدة من الاضطرابات الأمنية في الجوار الليبي وضعف الرقابة الحدودية.
وتُعدّ هذه الحبوب من أخطر أنواع المنشطات العصبية، إذ تسبب إدمانًا سريعًا، وتهيّجًا عصبيًا، وقد تؤدي إلى ارتكاب جرائم دون وعي.
ولعلّ الأخطر هو ترويجها في الوسط المدرسي على شكل أقراص “منشطة” يُقنع بها المروّجون المراهقين بأنها تمنحهم طاقة وتركيزًا، لتتحوّل إلى بوابة الإدمان والانهيار النفسي.
🧪 شبكات دولية ومحلية... تجارة بالموت
تكشف التحقيقات الأمنية أن وراء هذه التجارة شبكات منظمة تتعامل مع أطراف خارجية، بعضها يستغلّ معابر الجنوب وطرق التهريب التقليدية للوقود والسجائر لإدخال المخدرات والأقراص المهلوسة.
أما على المستوى الداخلي، فقد تغلغلت مجموعات محلية في الأحياء القريبة من المعاهد والمدارس، حيث تُستعمل الفتيات أو القُصّر كوسطاء لتوزيع السموم مقابل مبالغ زهيدة.
ويؤكد مصدر أمني أن “المخدرات في تونس أصبحت تجارة مربحة أكثر من الذهب”، مشيرًا إلى أنّ الأرباح الناتجة عن بيع الأقراص المهلوسة تقدّر بمليارات الدنانير سنويًا.
🏫 الوسط المدرسي... منبر المعرفة يتحول إلى ساحة خطر
تُجمع التقارير التربوية على أن تزايد انتشار الحبوب المخدرة بين التلاميذ أصبح ظاهرة مقلقة.
ففي بعض المؤسسات، تمّ ضبط حالات استهلاك وحتى ترويج، ما جعل وزارة التربية تدقّ ناقوس الخطر وتطالب بتكثيف المراقبة أمام المدارس.
ويقول أحد الإطارات التربوية في نابل إنّ “المدرسة أصبحت تواجه خطرًا مزدوجًا: العنف والمخدرات، وهما وجهان لعملة واحدة تهدد الأجيال القادمة”.
💰 من المستفيد؟
لا يمكن فصل تجارة البكتاغون والمخدرات عن منظومة مصالح اقتصادية وسياسية مظلمة، تستغل الفقر والتهميش وضعف الرقابة لتحقيق أرباح طائلة، وربما لتخدير وعي الشباب وإضعاف قدرته على المقاومة.
فهذه الشبكات لا تبحث عن الربح فقط، بل عن خلق جيلٍ مستسلمٍ ومُدمَن، يسهل التحكم فيه.
⚖️ من يتحمل المسؤولية؟
رغم جهود وزارة الداخلية في تفكيك عشرات الشبكات سنويًا، إلا أن التهريب مستمر، ما يكشف عن حاجة ملحّة لخطة وطنية شاملة تُشرك وزارات التربية، الصحة، الشباب، والعدل، إلى جانب دور الأسرة والمجتمع المدني.
فالمعركة ضد المخدرات ليست أمنية فحسب، بل حرب وعي ومسؤولية جماعية، تتطلب حزمًا في الردع، وتربية في الوقاية، واحتواء في العلاج.
المخدرات لا تقتل في لحظة، بل تسرق الإنسان من داخله ببطء.
هل سننتظر أن تتحول المدارس إلى مقابر للأحلام... أم نعلن الحرب على من يبيعون السم لأبنائنا؟



