بين غياب المشروع وتقلّب القاعدة… متى ينضج وعي الإنقاذ الحقيقي؟
على امتداد 14 سنة، مرّ على النادي الإفريقي أكثر من 260 مسؤولًا، وتكوّنت أكثر من 12 هيئة تسييرية، ومع ذلك لم يتغيّر المشهد كثيرًا: وعود فضفاضة، انطلاقة محتشمة، ثم انهيار سريع تحت ضغط الجماهير، فتفكك داخلي يعقبه انسحاب أو إقالة. هذا التكرار الممل لم يعد مجرد سلسلة من الإخفاقات العابرة، بل بات سمة ثابتة تؤشر على أزمة أعمق: أزمة بنيوية وهووية.
🔍 بنية مأزومة: قرارات دون استراتيجيات
من يراجع الأداء الإداري للنادي في السنوات الأخيرة يدرك أن الإفريقي يعيش دون رؤية متكاملة. الإدارات المتعاقبة غالبًا ما تشتغل بمنطق الإطفاء: حل مشاكل الرواتب، تأجيل عقوبات، البحث عن ممولين، دون أي خطة بعيدة المدى لبناء فريق مستقر، أو هيكلة مالية متوازنة، أو مدرسة تكوين قوية تُغني الفريق الأول.
واللافت أن معظم هذه الهيئات جاءت على وقع "المنقذ" و"الرجل المناسب" دون أي تمحيص في مشروعه، أو قراءة نقدية لتاريخه في التسيير. وهذا ما حوّل الجمعية إلى مختبر تجارب، لا إلى مؤسسة رياضية محترفة.
🧠 جمهور متفاعل أم متقلّب؟
في المقابل، لا يمكن تجاهل أن جمهور الإفريقي نفسه جزء من هذا المأزق. هو جمهور عاشق، بلا شك، وصاحب تأثير هائل في المزاج العام الرياضي، لكنه تحوّل في بعض المحطات إلى عامل ضغط لا يُطاق.
كل إدارة تبدأ برصيد ثقة عالٍ مبني على الخطاب العاطفي، وليس على التقييم العقلاني. وبعد فترة وجيزة، تنقلب ذات الجماهير ضدّ الهيئة، مطالبة بالرحيل، فتدخل الجمعية في دورة جديدة من الفوضى.
هذا النمط من التفاعل العاطفي والمتسرّع لا يختلف كثيرًا عمّا حدث في تجارب مماثلة:
📌 التجربة المغربية: الرجاء كنموذج مضاد
الرجاء البيضاوي المغربي مرّ، بدوره، بفترات عدم استقرار إداري وفني، لكنه استطاع، خلال السنوات الأخيرة، أن ينهض بفضل وعي جماهيري متقدّم نسبيًا، احتضن مشروع الإدارة الحالية رغم العراقيل، ومنحها وقتًا كافيًا للعمل، فكان التتويج بكأس الاتحاد الإفريقي نموذجًا على قدرة الصبر والتخطيط.
📌 التجربة المصرية: الأهلي واستراتيجية الحماية من المزاج
الأهلي المصري لم يكن ليتحول إلى قلعة البطولات في القارة لولا فرضه نموذج "فوق الجماهير". فالإدارة لا تتأثر كثيرًا بمواقع التواصل أو موجات الغضب، بل تعمل وفق خطط واضحة وتفويضات مدروسة. الجمهور يشجع، يضغط، لكن لا يُملي القرار.
⚖️ أين الخلل الحقيقي؟
الخلل في الإفريقي ليس في الأشخاص، بل في غياب المشروع وتقلّب المواقف. من الصعب الحديث عن نجاح في ظل إدارة قصيرة النفس، جمهور سريع الانقلاب، وإعلام يُضخّم كل إخفاق في لحظته.
لا يكفي أن نبحث عن "رئيس ناجح"، بل يجب أن نسأل:
- هل نملك خطة لخمس سنوات قادمة؟
- هل هناك تصور لرقمنة الموارد، ولعصرنة التكوين؟
- هل هناك جرأة على إعادة هيكلة الجمعية ماليًا وإداريًا؟
- والأهم: هل نملك قاعدة جماهيرية قادرة على دعم المشروع لا الأشخاص؟
🛑 المطلوب: نضج جماعي لا بطولات فردية
لن يتعافى الإفريقي ما لم يُدرك جمهوره أولًا أن التغيير الحقيقي لا يُقاس بسرعة التفاعل، بل بعمق الرؤية. وما لم تؤمن الإدارات القادمة أن الإفريقي ليس "وجاهة اجتماعية" أو "فرصة للظهور"، بل مسؤولية تتطلب تخطيطًا، وانضباطًا، وحصانة من الشعبوية.
اللحظة تتطلب هدوءًا في التسيير، وصدقًا في النقد، ووفاءً للمشروع لا للأشخاص. حينها فقط، يمكن للإفريقي أن يعود… لا كنادٍ يعيش على ماضيه، بل كمؤسسة رياضية حديثة، تليق بتاريخها وجمهورها.