منذ اندلاع شرارة الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010، التى كانت بمثابة نقطة تحول تاريخية في مسار الدولة التونسية، لم تكن مجرد احتجاجات ضد الظلم الاجتماعي والاقتصادي فحسب بل كانت صرخة ضد عقود من الاستبداد والفساد، ضد هيمنة الدولة العميقة التي تغلغلت في كل مفصل من مفاصل الدولة؛ وبينما كان التونسيون يعتقدون أن سقوط بن علي في 14 جانفي 2011 قد شكل نهاية حتمية لعقود من الدكتاتورية اكتشفوا بسرعة أن سقوط رأس النظام لم يكن يعني انهيار المنظومة السياسية نفسها، فالدولة العميقة التي لا تقتصر على أفراد بعينهم بل على شبكة معقدة من المصالح التي تجمع بين السياسيين والاقتصاديين والقضاء والإعلام، لم تسقط مع بن علي بل أعادت تشكيل نفسها بأدوات جديدة لتستمر في السيطرة على مفاصل الدولة وتعرقل أي محاولة حقيقية للتغيير.