في قلب العامرة من ولاية صفاقس يتجلى مشهد يستدعي التمحيص والتدقيق، إذ ينبثق من رحم الواقع كيان يبدو للوهلة الأولى مجرد تجمع بشري لكنه في حقيقته يعكس ظاهرة تتجاوز الأبعاد الاجتماعية والإنسانية لتطال جوهر السيادة الوطنية ذاتها، فمخيم المهاجرين جنوب الصحراء لم يعد مجرد محطة عبور عابرة بل أصبح فضاء قائمًا بذاته يضم مستشفيات، قاعات سينما، وبنية تحتية تشي بملامح تنظيم داخلي مستقل الأمر الذي يثير تساؤلات عميقة حول مدى قدرة الدولة على فرض نفوذها داخل حدودها المعترف بها، وليس من قبيل المبالغة القول إن هذا الواقع يستدعي مراجعة جوهرية لمفهوم السيادة ليس فقط من زاوية قانونية مجردة بل أيضا من منظور سياسي واستراتيجي يضع في الحسبان التحولات الديموغرافية والاقتصادية التي أفرزتها ظاهرة الهجرة غير النظامية.