صدر حديثًا عن دار البياتي للنشر والتوزيع كتاب جديد للباحث والناقد التونسي التهامي الهاني بعنوان: "الشعر العربي المعاصر؛ إلى أين؟"، وهو عمل نقدي بقدر ما هو تأمّلي، يرنو إلى مساءلة واقع الشعر العربي المعاصر من زواياه الجمالية والفكرية والأنطولوجية، ضمن 172 صفحة مزينة بغلاف تشكيلي من توقيع الفنان العراقي سمير مجيد البياتي.
القصيدة بين التراث والابتكار
يراهن الهاني في هذا الإصدار على تجاوز المألوف والانخراط في أفق جمالي وفكري يستفز القارئ أكثر مما يطمئنه، في رحلة تنقّب في تضاريس القصيدة العربية وتعيد مساءلة المسلمات الكبرى، من موقع لا ينتمي إلى معسكر شكلي بعينه، بل إلى حقل المعنى وسؤال الجمال.
يكتب المؤلف من موقع المراقب المتأمل، في زمن تتصارع فيه الأشكال الشعرية من عمودي وتفعيلة إلى نثر وتيارات ما بعد الحداثة، حيث تتحوّل القصيدة إلى مرآة لعطب الذات وتحوّلات المرجعيات.
القصيدة ليست إجابة... بل سؤال مفتوح
ما يلفت في مشروع الهاني هو رفضه الانصياع للأحكام الجاهزة. فهو لا يقف مع قصيدة الشكل التقليدي باسم "الأصالة"، ولا ينحاز لقصيدة النثر بدعوى "الحداثة"، بل يدعو إلى قراءة كل شكل شعري بوصفه مشروعا إبداعيا مستقلًا، شرط أن يتلبّسه الوعي، ويظلّ وفياً للجمال والمعنى.
يرى الهاني أن تراجع الشعر العربي المعاصر لا يعود فقط إلى ضعف الابتكار أو هيمنة الوسائط الجديدة، بل أيضًا إلى اهتزاز البنية الثقافية نفسها، حيث تعيش الذات العربية لحظة انكسار وتنازع هوياتي وأزمة مرجعية عميقة.
بين الجمالي والفكري... المشروع النقدي يتواصل
يمثّل هذا العمل امتدادًا لمشروع الهاني النقدي الرصين، الذي لا يفصل بين الجمالي والفكري، ولا بين الشعر والثقافة، في سعي دائم إلى فهم أعمق لوظيفة القصيدة في زمن عربي يتسم بالتحولات، بل وبالتحطم أحيانًا.
وبهذا المعنى، لا يقدّم الهاني كتاب إجابات، بل وثيقة نقدية مفتوحة الأسئلة، تدعونا إلى إعادة التفكير في معنى الشعر، وفي شرط وجوده، وفي جدواه.
عن المؤلف
التهامي الهاني هو باحث وناقد تونسي، عُرف باشتغاله على قضايا الشعر والفكر، وبتوجّه نقدي يجمع بين الدقة المفاهيمية والعمق التحليلي. إصداره الجديد يأتي ليعزّز مكانته كأحد الأصوات النقدية المتفردة في الساحة الثقافية التونسية والعربية.
حين تصبح القصيدة سؤالًا لا ينتهي، فإنها تفتح أمام القارئ أفقًا جديدًا... أفقًا لا يشبه إلا الشعر حين يكون حيًا.