في زاوية هادئة من هذا العالم الصاخب تبرز فنانة تعيدنا إلى جوهر الجمال الحقيقي إلى سكينة اللون وصدق التعبير. إنها شامة معشة فنانة تشكيلية ذات أسلوب مميز لا تكتفي بنقل الواقع إنما تعيد تشكيله بما يليق بالحس الإنساني والروح الباحثة عن النقاء، ليست شامة فنانة تقليدية لكنها صاحبة رؤية حين تمسك بالريشة لا ترسم ما تراه فقط بل ما تشعر به، تحول القماشة البيضاء إلى مساحة اعتراف بصري تدون عليها ما عجزت الكلمات عن قوله وتصغي لصوت الألوان وهي تهمس بانفعالات داخلية صادقة.
مقالات ذات صلة:
بوسالم: الدورة الثانية لمهرجان الريشة للفنون و الآداب
جرد موظف: مرآة لواقع الحياة اليومية تُجسد المعاناة بلمسة فكاهية
مرآة أنورا السحرية: تقنية ذكاء اصطناعي لتقييم الصحة
في إحدى لوحاتها، نقابل امرأة شابة بابتسامة خفيفة تنبع منها الطمأنينة والصفاء، الملامح مرسومة بعناية والتفاصيل الدقيقة في الشعر والإكسسوارات تضفي واقعية آسرة، والخلفية تحاكي الطبيعة الهادئة بتدرجات خضراء خفيفة تعطي للشخصية بعدا إنسانيا يعكس ارتباطها العميق بالبيئة والحياة، اما الزهور الكبيرة في المقدمة لا تضاف عبثا لكنها توازن التركيب البصري وتضفي طابعا شاعريا يجسد الأنوثة المتناغمة مع نقاء الطبيعة، هي ليست فقط صورة لامرأة إنما حالة وجدانية متكاملة تلامس مشاعر المتلقي.
وفي عمل فني آخر، تتغير نغمة اللوحة ولكن تبقى المشاعر حاضرة، فالمشهد هذه المرة على البحر حيث الأفق المفتوح والأمواج المتلاطمة والسفن الشراعية التي تشق طريقها نحو الغروب أو الشروق، تجيد شامة هنا المزج بين الحركة والسكون، بين ضجيج البحر وصمت الأفق، فالألوان الغنية والمتداخلة في السماء تعكس تحولا زمنيا أو ربما وجدانيا، فيما ترسم النخلة والزهور في مقدمة اللوحة خط العودة إلى الأرض، إلى المكان، إلى الذاكرة، المشهد كله يشبه حلما نريد أن نعيشه أو ذكرى نود أن نعود إليها، هي دعوة للسفر، للهروب أو للبحث عن الذات في مكان أكثر اتساعا من حدود الواقع.
ولعل ما يميز أسلوب شامة معشة ليس فقط مهارتها في التكوين واختيار الألوان إنما تلك الشفافية الشعورية التي تنساب من كل عمل لها، لوحاتها لا تستعرض بل تبوح، لا تصرخ بل تهمس وتلك الهمسات كافية لأن تحرك شيئا عميقا في نفس من يراها، فالمتلقي لا يشعر بأنه ينظر إلى عمل فني فحسب إنما وكأنه يتذكر شيئا داخله، شيئا كان نائما واستيقظ بلطف.
مشوار شامة الفني لم يكن سهلا ولكنه مملوء بالإصرار والصدق، منذ بداياتها الأولى وهي تختبر الألوان، تجرب تقنيات متعددة، تبحث لا عن الإبهار بل عن الحقيقة، وها هي اليوم تثبت أن الفن ليس مسألة شهرة أو ضجيج بل فعل حب وتأمل وصدق، ومن المؤكد ان مشاركاتها بالمعارض ستكون لوحاتها محط الأنظار لأنها ببساطة مختلفة، ليست مزيفة، لا تتصنع الحداثة بل تنبع من داخلها، من تجربتها الشخصية، ومن نظرتها العميقة للحياة.
تقول شامة: "أنا لا أبحث عن الكمال بل عن الصدق، اللوحة التي تلمس القلب أهم من تلك التي تبهر العين فقط"، هذه الجملة تلخص فلسفتها الفنية وتفسر لماذا تلامس أعمالها وجدان من يراها.
في زمن يتسارع فيه كل شيء تبقى شامة معشة فنانة تعرف كيف تعيدنا إلى البطء الجميل، إلى التأمل، إلى لحظة الصمت التي تسبق البوح، ريشتها مرآة روحها ولوحاتها نوافذ مشرعة على عالم نقي، بسيط، وعميق في آن معا، إنها ليست فقط فنانة إنما حالة فنية وشعورية كاملة تأخذنا معها في رحلة لا نريد أن تنتهي.