في ليلة كان يفترض أن تكون احتفالية خالصة، عادت الفنانة اللبنانية أليسا لتؤكد، مرة أخرى، أن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى ضجيج مفتعل ولا إلى بهرجة زائفة، بل إلى صدق الإحساس وعمق التجربة.
حفلها في تونس بقبة رادس، لم يكن مجرد عرض فني عابر، بل كان موعدًا عاطفيًا جمع فنانة وجمهورًا تربطهما علاقة خاصة، صمدت عبر السنين والأغاني والذكريات.
منذ اللحظة الأولى لاعتلائها الركح، بدا واضحًا أن أليسا كانت في قمة تركيزها وحضورها بأداء متزن وصوت دافئ، واختيار ذكي للأغاني التي لامست وجدان الحاضرين، فغنّت الحب والانكسار والأمل بنفس الصدق الذي عُرفت به.
تفاعل الجمهور كان لافتًا، بل استثنائيًا وجمهور غصّت به القبة عن آخرها، وردّد كلمات الأغاني بحماس، في مشهد يؤكد أن طاقة الاستيعاب في قبة رادس فاقت كل التوقعات، وأن اسم أليسا ما يزال قادرا على تعبئة الفضاءات الكبرى وجذب أجيال مختلفة.
غير أنّ هذا النجاح الفني والجماهيري للأسف، اصطدم بواقع تنظيمي دون المستوى المطلوب، فقد شهد الحفل عديد الإشكاليات، من سوء التنظيم عند المداخل، إلى غياب السلاسة في توجيه الجماهير، إضافة إلى نقائص لوجستية كان بالإمكان تلافيها لو أُحسن الإعداد المسبق.
وهو ما طرح تساؤلات مشروعة حول مدى جاهزية القائمين على التنظيم للتعامل مع حفلات جماهيرية كبرى، خصوصًا حين يكون الإقبال بهذا الحجم.
و النقد هنا لا يقلّل من قيمة الحفل، بل يأتي حرصًا على الارتقاء بالمشهد الفني في تونس، وحفاظًا على صورة البلاد كوجهة قادرة على احتضان التظاهرات الفنية الكبرى بمستوى يليق بجمهورها وبضيوفها.ورغم كل شيء، انتصر الفن في تلك الليلة.
انتصر صوت أليسا، وانتصر حب الجمهور، وانتصر الشغف الذي لا تعكره العثرات التنظيمية مهما كانت ،لكن النجاح الحقيقي لا يكتمل إلا حين يسير الإبداع والتنظيم جنبًا إلى جنب.
تونس تملك جمهورًا ذكيًا، وفنانين كبارًا، وفضاءات قادرة على صنع الفارق وما ينقصها أحيانًا هو فقط تنظيم يرقى إلى مستوى هذا الحب الجارف للفن.
ويبقى الأمل قائمًا: أن تكون هذه التجربة درسًا، لا انتكاسة، وخطوة أخرى نحو حفلات تليق باسم تونس وبجمهورها الذي لا يخون موعده مع الفن الحقيقي.
نادرة الفرشيشي



