احتضن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" يومي 11 و12 ديسمبر الجاري ندوة دولية وازنة، أعادت إلى الواجهة إحدى أهم المحطات المضيئة في التاريخ التونسي، وهي إلغاء العبودية، وما رافقها من رهانات فكرية وحقوقية ما تزال حاضرة إلى اليوم.
الندوة، التي نظمها مركز الدراسات الإفريقية بالأكاديمية بدعم من منظمة اليونسكو، حملت عنوانًا دالًا: «من العبودية في تونس إلى إلغائها وتجلياتها الراهنة»، وجمعت نخبة من الأكاديميين والباحثين من اختصاصات متعددة، ناقشوا الظاهرة في أبعادها التاريخية، الحضارية، الحقوقية، الاجتماعية والسياسية.
وفي افتتاح أشغال اليوم الأول، التي انتظمت بمقر مركز الموسيقى العربية والمتوسطية – النجمة الزهراء، شدد رئيس المجمع الدكتور محمود بن رمضان على أن العبودية تمثل انتهاكًا صارخًا للقيم الإنسانية الكونية، مذكّرًا بـالاستثناء التونسي في المبادرة المبكرة لإلغائها خلال القرن التاسع عشر، وبالعمق الإفريقي لتونس كجزء لا يتجزأ من هويتها التاريخية والحضارية.
وتطرقت الجلسة العلمية الأولى إلى مكانة ذوي البشرة السوداء في تونس وشمال إفريقيا منذ العصور القديمة، مع تفكيك القراءات الأورومركزية التي همّشت هذا الحضور أو أعادت تأويله خارج سياقه الحقيقي. كما تم عرض مقتطفات من عمل سينمائي للمخرج هشام بن عمار حول ظاهرة الاستعباد، على أن يُعرض كاملا لاحقًا في إطار إحياء الذكرى 180 لقرارات أحمد باي المناهضة للعبودية (1841-1846)، وهي قرارات حظيت باهتمام كبار المؤرخين العالميين.
أما الجلسة الثانية، فقد تناولت إجراءات الإلغاء بين الخصوصية الوطنية والتأثيرات الخارجية، مع تحليل أبعادها السياسية والاجتماعية والحقوقية، باعتبارها خطوة جريئة سبقت سياقها الإقليمي والدولي.
وخلال اليوم الثاني، الذي انتظم بمقر بيت الحكمة، تعمقت المداخلات في الفكر التمهيدي لإلغاء العبودية، والسياقات الوطنية والإقليمية والعالمية المؤثرة في القرار، إضافة إلى مناقشة الفجوة بين التشريع والتطبيق، ورهانات المبادرة التونسية في بيئة كانت مثقلة بالتحديات والمعيقات.
وخلصت أشغال الندوة إلى إبراز مبادرة تونسية رائدة قاومت العبودية والرق وكل أشكال الميز العنصري، داخل أطر سياسية واجتماعية وثقافية معقدة، لتؤسس لمسار حقوقي ما يزال راهنًا في معركة المواطنة والمساواة.
وتندرج هذه الندوة ضمن سلسلة من ورشات التفكير واللقاءات العلمية التي ينظمها المركز حول القضايا الإفريقية، في إطار ما وصفه رئيس المجمع بـ**«إعادة بناء الروابط مع إفريقيا»**، مؤكدًا في الاختتام أن بيت الحكمة سيواصل هذا المسار العلمي والفكري بالشراكة مع المؤسسات الأكاديمية، من أجل القطع مع أخطاء الماضي وبناء مستقبل قائم على الإنصاف والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية.
منصف كريمي



