في خطوة غير مسبوقة على الصعيد التونسي والعربي، تنظم جمعية «أمان للأسرة والطفل» يوم السبت 27 ديسمبر 2025 ملتقى وطنيا تحت عنوان «حماية الرجل من العنف»، وذلك ابتداءً من الساعة الثامنة والنصف صباحا بقاعة الندوات في فندق الكرمل باب العسل بتونس العاصمة، ويهدف الملتقى إلى كسر حاجز الصمت المجتمعي حول العنف الموجه للرجال سواء كان نفسيا أو لفظيا أو اقتصاديا أو جسديا وهي أشكال غالبا ما تمارس داخل الأسرة أو في العلاقات العاطفية ما يجعل الإفصاح عنها صعبا بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية.
ويأتي هذا الملتقى في سياق الاحتفال بيوم الرجل العالمي في 19 نوفمبر من كل عام والذي يسلط الضوء على قضايا صحة الرجل وتحسين العلاقات بين الجنسين وتعزيز النماذج الإيجابية للرجولة إلى جانب الاعتراف بالرجال كضحايا محتملين للعنف، وفي مجتمع لا يزال فيه الحديث عن الرجل ضحية أمراً شبه محرم تؤكد هذه المبادرة على أن حماية الكرامة الإنسانية لا تميّز بين الجنسين.
من الناحية القانونية، يظل القانون عدد 58 لسنة 2017 الخاص بمناهضة العنف ضد المرأة مرجعا مهما إلا أن القانون التونسي يعاقب على جرائم العنف بلا تمييز بين الجنسين حيث تجرّم المجلة الجزائية العنف الجسدي والتحرش والتهديد والابتزاز إضافة إلى الإيذاء النفسي والمعنوي ضمن جرائم المساس بالحياة الخاصة والتشهير، كما تسمح قوانين الطلاق والنفقة والحضانة للرجال بإثبات الضرر الذي لحق بهم نفسيا أو ماديا وهو ما اعتمد عليه عدد من القضاة مؤخرا لمنح تعويضات للرجال المتضررين من العنف الأسري أو الحرمان من رؤية أبنائهم.
وفي 2024 أصدرت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن دليلا إجرائيا موحدا للتعهد بشكاوى العنف شمل صراحة للرجال الضحايا ما يفتح المجال قانونيا لتوثيق الظاهرة وتوفير الدعم النفسي والقانوني للرجال المتضررين.
تشير دراسة ميدانية تم إجرائها على أن حوالي 1200 رجل تونسي في 2024 إلى أن 38% منهم تعرضوا لعنف لفظي متكرر من الزوجة أو الشريكة و21% لعنف اقتصادي و11% لعنف جسدي بينما لم يشتك 67% منهم خوفا من السخرية أو عدم التصديق، كما سجّلت الجمعية في 2025 أكثر من 340 استشارة لرجال تعرضوا للعنف الأسري أو ما يعرف بـمتلازمة الوالد المغترب حيث تستخدم الأطفال كأداة ضغط نفسية ضد الأب.
هذا وتعد حماية المرأة من العنف لا تتعارض أبدا مع حماية الرجل من العنف، فالعنف جريمة مهما كان جنس الضحية وجنس الجاني واليوم نرفع شعار الكرامة الإنسانية لا تتجزأ أبدا، ويشارك في الملتقى نخبة من القضاة والمحامين وعلماء الاجتماع والنفس إلى جانب شهادات حية من رجال تحدوا الصمت وتحدثوا عن تجاربهم.
وتدعو جمعية أمان كافة المهتمين رجالا ونساء، صحفيين وباحثين وناشطين ومواطنين لحضور هذا الحدث التاريخي لأن بناء مجتمع خال من العنف يبدأ بالاعتراف بأن أي إنسان يمكن أن يكون ضحية ومن حقه أن يجد من يسمعه ويحميه، كما وأن حضوركم ليس مجرد مشاركة لكنه رسالة بأن تونس قادرة على أن تكون رائدة في العدالة الجندرية الشاملة والحقيقية، فالعنف لا جنس له والكرامة حق للجميع.



