بقلم: عبد الحفيظ حساينية
كشفت دراسة علمية مطوّلة أجرتها كلية لندن الجامعية ونشرتها مجلة The Lancet Healthy Longevity، عن نتائج مذهلة تربط بين الإقلاع عن التدخين وتحسّن الوظائف العقلية لدى البالغين، حتى أولئك الذين تجاوزوا سنّ الخمسين. الدراسة، التي امتدت لسنوات وشملت أكثر من 9 آلاف شخص من 12 دولة، تقدّم برهانًا جديدًا على أن الامتناع عن التدخين ليس مجرد قرار صحي، بل هو استثمار في شباب الدماغ وقدرته على التجدّد.
🧠 الدماغ يستعيد نشاطه بعد الإقلاع
أظهرت نتائج البحث أن الأشخاص الذين توقفوا عن التدخين سجّلوا تباطؤًا ملحوظًا في تدهور الذاكرة والانتباه والطلاقة اللفظية مقارنة بالمدخنين المستمرين. وبيّن العلماء أنّ هذا التحسّن لا يظهر فقط على المدى القصير، بل يستمر لسنوات بعد الإقلاع، ما يشير إلى أن الدماغ يمتلك قدرة ملحوظة على إصلاح نفسه واستعادة بعض وظائفه المعرفية.
وقالت الباحثة الرئيسية في الدراسة، ميكيلا بلومبرغ، إنّ «التوقف عن التدخين، حتى في سنّ متقدمة، يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا في صحة الدماغ». وأضافت: «لقد لاحظنا أن المدخنين السابقين يحتفظون بقدرات إدراكية أعلى من أولئك الذين واصلوا التدخين، خصوصًا في اختبارات الذاكرة واللغة».
📉 انخفاض خطر الإصابة بالخرف
ومن بين أهم ما توصلت إليه الدراسة، أنّ الإقلاع عن التدخين يساهم في تقليص خطر الإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 30 بالمئة. وفسّر الباحثون هذه النتيجة بأن التدخين يُضعف الأوعية الدموية ويقلّل من تدفق الدم إلى الدماغ، مما يعجّل في ظهور أمراض مثل ألزهايمر والخرف الوعائي.
وفي المقابل، يؤدي الإقلاع إلى تحسّن الدورة الدموية واستعادة نشاط الخلايا العصبية، وهو ما يبطئ عملية الشيخوخة العقلية ويمنح الدماغ فرصة للتعافي الجزئي من الأضرار السابقة.
🩺 الخبراء: «لم يفت الأوان بعد»
من جهته، أكد الباحث المشارك أندرو ستيبتو أنّ «الوقت لا يفوت أبدًا للإقلاع عن التدخين». وأوضح قائلاً: «حتى أولئك الذين يقلعون عن التدخين بعد عقود من الممارسة، بإمكانهم ملاحظة تحسن إدراكي ملموس خلال سنوات قليلة».
وشدد ستيبتو على ضرورة إدماج هذه النتائج في برامج الوقاية من الخرف، معتبرًا أن "الإقلاع عن التدخين ليس فقط وسيلة لإنقاذ القلب والرئتين، بل أيضًا لحماية الدماغ والحفاظ على جودة الحياة الذهنية".
💬 بين الطب والمجتمع
ويرى مختصون في علم الأعصاب أنّ هذه الدراسة تمثل نقلة نوعية في الفهم الطبي لتأثير التدخين على الدماغ. فبينما كان يُنظر سابقًا إلى الإقلاع بوصفه يحدّ من أمراض القلب والسرطان، أصبح اليوم يُعتبر أيضًا خط دفاع أول ضد الشيخوخة الإدراكية وفقدان الذاكرة.
كما يلفت خبراء الصحة العامة إلى أهمية توظيف نتائج الدراسة في الحملات التوعوية، لإقناع المدخنين بأن كل لحظة إقلاع تمثل بداية جديدة، وأنّ الفوائد لا تتوقف على الجسد، بل تمتد إلى العقل والذاكرة والإبداع.
🧩 تؤكد هذه الدراسة أنّ الدماغ، رغم هشاشته الظاهرية، يمتلك قدرة مذهلة على التعافي إذا ما توفرت له البيئة الصحية السليمة. والإقلاع عن التدخين، الذي كان يُنظر إليه لسنوات بوصفه تحديًا جسديًا فقط، أصبح اليوم مفتاحًا للحفاظ على الذاكرة والذكاء والاتزان الذهني حتى في مراحل العمر المتقدمة.
فالإقلاع لا يعني فقط أن تتنفس بشكل أفضل… بل أن تفكر بشكل أوضح وتعيش بذاكرة أطول.