يستعدّ الفنان المسرحي عاطف بن حسين، المعروف بـ"شوكو"، للعودة إلى الركح بعمل مسرحي جديد يحمل عنوانًا لافتًا: "الديكتاتور"، وهو عرض ساخر بقدر ما هو مرير، يستمدّ مادته الدرامية من الواقع التونسي المتقلّب خلال العقدين الأخيرين.
في هذا العمل المنتظر، يُقدّم بن حسين كوميديا سوداء تروّض المأساة وتحوّلها إلى لحظة ضحك جارحة، إذ تغوص المسرحية في الأحداث السياسية والاجتماعية التي عصفت بتونس منذ العشرية السوداء، لتصل بنا إلى اللحظة المفصلية ليوم 25 جويلية 2021، حيث دخلت البلاد منعطفًا جديدًا إثر الإجراءات الرئاسية التي غيّرت المشهد السياسي جذريًا.
مهرّج... لكنّه شاهد العصر
بطل المسرحية ليس سياسيًا، ولا مثقفًا من الطراز الأكاديمي، بل مهرّج، يُقدَّم بوصفه شاهدًا وساخرًا وضحية في آن.
هو شخصية كاريكاتورية تندفع على الركح بين الهزل والوجع، وقد نُكّل به في عهد "الإخوان" – في إشارة صريحة إلى حكم حركة النهضة – ليجد نفسه لاحقًا يرفع شكوى ليس فقط ضد من حكموا، بل ضد من انتخبوهم أيضًا، في مشهد نقدي لاذع لمنظومة كاملة تشارك في إنتاج الاستبداد عن غير وعي.
هذا المهرج، الذي يشبه في كثير من ملامحه شخصية "الشيطان المضحك"، يغوص في واقع ما بعد 25 جويلية، ليكشف لنا على الركح كوميديا قاتلة من الشخصيات الانتهازية والانكسارات والازدواجيات التي تسكن السياسة والمجتمع في تونس اليوم.
عاطف بن حسين... عنيد ضد النسيان
من خلال "الديكتاتور"، يؤكد عاطف بن حسين مجددًا انحيازه للمسرح كفضاء للمواجهة والصدمة الجمالية، لا كمساحة ترفيهية سطحية.
فهو لا يسعى لإرضاء الجمهور بقدر ما يسعى إلى إخراجه من منطق العادة إلى منطقة التفكير. والضحك في هذا العمل، ليس هدفًا بقدر ما هو أداة لكشف المأساة.
مسرح يُدين الجميع
ما يميّز هذا المشروع المسرحي هو توازنه في نقد المنظومة السياسية، إذ لا يقتصر على فترة حكم بعينها، بل يرصد مسارًا ممتدًا من الخيبات، بدءًا من وعود الثورة المجهضة، مرورًا بالتحالفات الهشة، وصولًا إلى الشعبوية الصاعدة.
المسرحية ليست ضد "الديكتاتور" كشخص، بل ضد كل من ساهم في إنتاجه، ووفّر له التبرير، والتصفيق، والانتخاب.
حين تصبح السياسة مسرحًا... والمسرح محكمة
"الديكتاتور" ليست فقط مسرحية، بل محاكمة فنية لواقع مأزوم، حيث تتحول الخشبة إلى مرآة مهشّمة نرى فيها وجوهنا، بتواطؤاتنا وصمتنا ومخاوفنا.
هو عرض لا يبحث عن الحلول، بل يكشف الأسئلة المؤجّلة، ويواجه الجمهور بسخريته المؤلمة: كيف تحوّلنا جميعًا إلى مهرجين في سيرك سياسي بلا جمهور؟
ومن يحكم من في جمهورية المزايدات؟
قريبًا، "الديكتاتور" على الركح... والمسرح سيُعلن حالة الطوارئ الجمالية.
هل نملك الشجاعة لنضحك على أنفسنا؟
أم أن الضحك سيتحوّل إلى بكاء مرّ آخر؟
منصف كريمي